شنغهاي – نورالدين بوشيخي

 إذا كان وباء “كورونا” قد عصف بالعديد من الشركات الصينية التي لم تقو على امتصاص الصدمات وعجزت مناعتها عن  صد خسائرها الفادحة، فإن أخرى انتعشت معاملاتها وقت الأزمة وحققت إيرادات قياسية بفضل حاجة البلاد لخدماتها.

واضطرت أكثر من 460 ألف شركة صينية إغلاق أبوابها بشكل دائم في الفصل الأول من العام الحالي حين شل وباء فيروس “كورونا”، عجلة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فيما لم يمر على اشتغال أكثر من نصف هذه الشركات أقل من ثلاث سنوات، وفق ما أظهرته بيانات تسجيل الشركات في الصين.

وشملت عمليات الإغلاق مؤسسات تجارية تقرر إلغاء تراخيص تشغيلها، فضلا عن تلك التي أنهت عملياتها بنفسها، وهمت  26 ألفا في قطاع التصدير، وفقا ل”تيانانشا”، وهي قاعدة بيانات تجارية ترصد السجلات العامة.

وتزامنا مع تفاقم متاعب الشركات الصينية، تباطأت وتيرة إنشاء شركات جديدة بشكل حاد حيث شهدت الفترة مابين يناير ومارس الماضيين تسجيل نحو 3.2 مليون شركة جديدة، بانخفاض قدره 29 في المائة عن العام الماضي.

وكان إنشاء معظم هذه الشركات الجديدة في المراكز الاقتصادية التقليدية للصين، مثل مقاطعة غوانغدونغ، البوابة الجنوبية للبلاد، فيما ينشط نصفها في مجالات التوزيع أو البيع بالتجزئة.

متاعب

وتؤكد متاعب هذه الشركات التحديات التي تواجه الصين في مساعيها لإنعاش اقتصادها الذي يواجه خطر الانكماش في الربع الأول من العام الحالي، لأول مرة منذ عام 1976 .

وقد تتفاقم الأزمة في مدن أخرى مثل دونغقوان، وهو مركز صناعي مزدهر في دلتا نهر اللؤلؤ (جنوب شرق)، الذي أصبحت فيه المحلات التجارية المهجورة والمصانع المغلقة مشهدا مألوفا يؤثث فضاء المدينة ، إذ لم تصمد هذه الشركات أمام تراجع الطلب الدولي.

وذكرت هيئة العمل المحلية في المدينة أن إيرادات شركة “دونغقوان فانتسي تويز” لصناعة حقائب ولعب الأطفال المحلية الموجهة للتصدير انهارت الشهر الماضي، بعد أن جفت الطلبات الخارجية ، مما ترك العمال بدون رواتب. وقد أمرت الحكومة مالك المصنع بدفع الأجور المستحقة.

البطالة

وبإغلاق آلاف الشركات الصينية أبوابها، استردت البطالة شراستها حيث ارتفعت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، وهو 6.2 في المائة في نهاية فبراير الماضي، وفق بيانات رسمية لا تشمل العمال المهاجرين.

وزاد الوضع سوءا بالنسبة للعديد من القطاعات من قبيل تجارة التجزئة والفنادق والمطاعم، والتي ساهمت في استيعاب الملايين من العمالة. فقد وظفت صناعة التجزئة في الصين أكثر من 40 مليون شخص في نهاية عام 2018، في حين كان قطاع التموين يستوعب 7 ملايين، وفقا لإحصاء اقتصادي أنجز العام الماضي.

وطلبت الحكومة المركزية من سلطات الحكومات المحلية الاستعداد لاحتمال حدوث بطالة واسعة النطاق في عام 2020. وينظر إلى ارتفاع معدلات البطالة على أنه مصدر للاضطرابات الاجتماعية في البلاد.

أرباح

وفي مقابل ذلك، حققت شركات أخرى مداخيل قياسية إبان الأزمة الصحية كقطاع خدمات التسليم والتوصيل (الوجبات المواد الغذائية والأدوية والطرود وغيرها)، ساعدها في ذلك شبكات الإمداد التي كانت موجودة بالفعل وكانت قادرة على العمل مع السلطات في مدن موبوءة تم إغلاقها كووهان، بؤرة تفشي الفيروس.

وقد استثمرت الصين أموالا ضخمة لتطوير البنية التحتية للتكنولوجيا الرقمية والبرمجيات لتحسين الخدمات اللوجستية والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية لللتنبؤ بسلوكيات المستهلكين، حتى أصبح الشراء والدفع الإلكتروني عبر الأنترنيت من أساسيات الحياة اليومية للصينيين.

ووفقا لمنصة التجارة الإلكترونية العملاقة “جي دي. كوم”، ارتفعت الطلبات على التجارة الإلكترونية وخدمات التسليم خلال فترة تفشي (كوفيد-19)، حيث تمكنت من بيع حوالي 220 مليون قطعة ما بين 20 يناير و28 فبراير الماضيين، همت منتوجات الحبوب والألبان واللحوم الحمراء والبيضاء .

أما مؤسسة “ميتوان ديانبينغ”، وهي منصة رائدة في مجال التجارة الإلكترونية، فأكدت أن خدماتها سجلت نموا في المبيعات بنسبة 400 في المائة في فبراير الماضي مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2019 ، مضيفة أن أكثر المواد شعبية كانت أقنعة الوجه الواقية والمواد المطهرة والفواكه الطازجة المعبأة وغيرها.

وبدورها، أعلنت منصة “إيلي. مي” لخدمات توصيل الأغذية ، المملوكة لمؤسسة “علي بابا” الشهيرة عن إيرادات قياسية خلال أزمة جائحة “كورونا” تجاوزت 600 في المائة على أساس سنوي.

لقد اختبرت الأزمة الصحية مناعة الاقتصاد الصيني وقدرته على امتصاص الأزمات. لكنها لم تمنع القيادة المركزية في الصين، التي وضعت ضمن أولوياتها الحفاظ على سلسلة الانتاج واستقرار وانتعاش الاقتصاد، من المضي قدما في تحقيق أهداف اقتصادية لهذا العام، وهي أهداف يراها محللون “غير واقعية ” في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لاحتمال تفشي موجة ثانية من العدوى، وفي ظل تنامي احتمالات حدوث انكماش اقتصادي في الفصل الأول من العام الحالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *