ذ  خالد الأصفر محام

   بهيئة القنيطرة

جرى الفقه على تعريف القانون الجنائي بأنه (القانون الذي يحدد فيه المشرع الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لهذه الأفعال)

الجدير بالذكر أن العديد من التعاريف المقارنة تبقى قاصرة ولم تتضمن قواعد القسم العام وقواعد القسم الخاص ولا قواعد المسطرة الجنائية وإنما تنصرف فقط إلى القسم الخاص من القانون الجنائي.

ويمكن تعريف القانون الجنائي بأنه ذلك الفرع من القانون الذي تحدد قواعده :

_ المبادئ العامة للتجريم والعقاب التي تطبق على كل الجرائم.

_ السلوك الإنساني الذي يعتبر جريمة، والجزاء المحدد سلفا من طرف المشرع لردع إتيان هذا السلوك المحظور.

_الإجراءات الواجب إتباعها في البحث والتحقيق عندما ترتكب جريمة من الجرائم ، ومسطرة محاكمة مقترف هذه الجريمة، وكيفية تطبيق العقوبة التي حكم بها عليه…

وحيث أن الفقرة الأولى من التعريف هي الأولى بالمعالجة سنحاول قدر الإمكان التطرق في مطلب أول لقانون الطوارى نظرا لأهمية الموضوع لراهنيته والتأثير العام على الحريات العامة وحقوق الإنسان ثم المطلب الثاني للعقوبات الواردة بهذا القانون.

لتبقى إشكالية الموضوع المحورية تطرح نفسها بإلحاح لماذا جعل المشرع الأفعال المرتكبة في هذا القانون جنح ؟.

المطلب الأول : قانون الطوارئ.

إن سلطة التشريع كاختصاص مخول للبرلمان والحكومة بمقتضى الفصل 70 و81 من الدستور فان للحكومة خلال الفترة الفاصلة بين الدورات وباتفاق بين اللجان في كلا المجلسين أن تصدر مراسيم قوانين يتم عرضها لاحقا على البرلمان للمصادقة عليها خلال دورته العادية الموالية.

وبما أن حالة الاستعجال والظروف الاستثنائية، جاء المرسوم المتعلق بحالة الطوارئ الصحية ، حيث أن تفشي فيروس كورونا المستجد والذي تحول فيما بعد إلى جائحة عالمية تهدد الحق في الحياة الذي يحميه القانون كما نص على ذلك الفصل 20 من الدستور والمادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفقرة الأولى من المادة 6 من للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ووعيا من المشرع المغربي بخطورة الوباء القاتل ولكونه وباء معدي وينتقل بشكل سريع وغير مجرد بمجرد اللمس أو الاختلاط مع مصابين وصعوبة التوصل إلى لقاح فعال، رغم السباق الدولي للتوصل سريعا للسيطرة عليه ، إلا انه لازال يحصد الأرواح على مستوى القارات الخمس.

عمدت جميع الدول إلى تطبيق تدابير قانونية أولا ثم التدابير المصاحبة لمحاولة السيطرة وعدم انتشار الوباء بشكل مستفحل لان الحق في الحياة هو الأولى بالحماية.

عمد المشرع المغربي في ظل هذه الجائحة إلى سن مرسوم قانون رقم 292.20.2.

أصدرت السلطة التنفيذية المرسوم المذكور أعلاه حفاظا على صحة الأشخاص وسلامتهم نظرا لانتشار المرض ونظر للأخطار التي يمكن أن ينجم عنها انتقال الفيروس بمجموع التراب الوطني ، فهذا المرسوم يسمح للحكومة خلال فترة الطوارئ الصحية باتخاذ التدابير اللازمة التي تقتضيها حالة الطوارئ سواء بواسطة مناشير وبلاغات بهدف التدخل الفوري للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحياة الأشخاص وضمان سلامتهم لتأخذ الطابع الالزامي في ظل الظروف الاستثنائية دون محاولة التعلل بالفصل 24 من الدستور لان ترجيح الحق في الحياة يبقى سابقا على الحقوق الأخرى سواء المنصوص عليها دستوريا او في المواثيق الدولية ، وحيث أن الخطر المحدق والحال جاء في ظروف استتنائية ملحة وعاجلة لا يبقى هناك قياس إذا علمنا أن الحق في الحياة من شان تهديده تبقى الحقوق الأخرى غير معتبرة ليس على مستوى الحقوق والحريات ولكن واقع الحال يفرض الحماية والترجيح لهذا الحق. حيث تصبح حياة الفرد والجماعة مهددة ، وبالتالي فان القرارات الصادرة عن السلطات العمومية وبالتدرج والتي جعلت بعض المرافق العامة والخاصة إما معطلة أو شبه معطلة تبقى ضرورية ، حيث كان بالأحرى تسريع وتيرة الحجر الصحي من حيث التطبيق والتنفيذ وزيادة عدد ساعات حالات الطوارئ خاصة بالأحياء الشعبية والأسواق التي تعرف اكتظاظا غير مكثرتين لخطورة الوضع الصحي الموبوء نظرا لانعدام الوعي وسيادة وبعض الاعتقادات البنيوية التي يصعب معالجتها بشكل سريع حيث يبقى الردع الخاص توجها سليما لكن الحيز الزمني يبقى غير ذي قيمة في ظل الاستعمال الغير المعقلن لورقة الخروج الاستثنائية .

المطلب الثاني : عقوبات حالة الطوارئ

تناول المشرع الأحكام العامة للعقوبة في الجزء الأول من الكتاب الأول من مجموعة القانون الجنائي المغربي وخصص لها الفصول من 14 إلى 60.

العقوبات الأصلية طبقا للفصل 15 إما جناىية، أو جنحية ، أو ضبطية .

والعقوبات الإضافية بحسب الفقرة الثانية من الفصل 14 من القانون الجنائي ، والفيصل بينهما حيث أن العقوبة الأصلية يجوز الحكم بها وحدها دون أن تتوقف على الحكم بعقوبة أخرى، أما العقوبة الإضافية ، فإنها لا يمكن الحكم بها وحدها ، وإنما تضاف لزوما إلى عقوبة أصلية.

انطلاقا من هذا التصنيف يمكن معرفة القانون قيد الدراسة وما هي العقوبات التي حددها المشرع للجرائم المرتكبة خلال فترة الطوارئ.

إن مرسوم القانون رقم 292.20.2 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية.

جاء القانون بمقتضيات مختلفة تحث السلطات العمومية إلى تطبيق القانون باتخاذ التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة وذلك بموجب مراسيم قوانين تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات في إطار العمل المشترك بين مختلف القطاعات المعنية والمتدخلة.

حيث أن القانون يتضمن سبعة مواد مختلفة لتبقى المادة الرابعة والمادة السادسة تطرح إشكاليات مختلفة عند التطبيق، وتنص المادة الرابعة :

(يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية، التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطة العمومية المشار إليها في المادة الثالثة أعلاه.

يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس ممن شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم او بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.

يعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه ، وكل من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة في هذه الفقرة بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية ، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الالكترونية ، أو أي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة الكترونية .)

وتنص المادة الساسة :

(يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة الطوارئ الصحية المعلن عنها، ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة.

تستثنى من أحكام الفقرة الأولى أعلاه آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال. وكذا مدد الوضع تحث الحراسة النظرية والاعتقال ألاحتياطي)

كما صدر مرسوم آخر 24 مارس 2020 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد 19

ليبقى المرسوم الأول خاصة المادة الرابعة منه يحمل في ثناياه مقتضيات زجرية سالبة للحرية بالإضافة إلى الغرامة، وكما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي جعل العقوبات الخاصة بمخالفة التدابير المتخذة في إطار حالة الطوارئ بمثابة جنح، فان المشرع المغربي نص صراحة في المادة الرابعة على عقوبة حبسية بين شهر وثلاثة أشهر دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.

وفي إطار سن الأحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية تم الإعلان من طرف الجهات المختصة في بلاغ مشترك صدر بتاريخ 6 ابريل على الزامية وضع الكمامات الواقية بالنسبة لجميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خارج مقرات السكن في الحالات الاستثنائية المقررة سلفا وذلك ابتداء من يوم الثلاثاء سابع ابريل 2020.

فان المشرع اعتبر أن عدم وضع الكمامات بمثابة جنحة منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي المتعلقة بعدم ملازمة مكان الإقامة أو خرق غيرها من التدابير الأخرى التي قررتها السلطات العمومية في هذا المجال، ثم إن تحريض الغير على عدم وضع الكمامة الواقية في الظروف المشار إليها أعلاه ، يعتبر جنحة سواء كان التحريض بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة الكترونية.

ويعاقب على هذه الأفعال بمقتضى المادة الرابعة من المرسوم بقانون المشار إليه أعلاه، بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 درهم و1300 درهم او بإحدى هاتين العقوبتين.

كما عمدت رئاسة النيابة العامة إلى إصدار الدوريات الخاصة بتطبيق القانون فيما يخص كل المقتضيات الصادرة عن السلطات العمومية المختصة، لتصبح السياسة الجنائية منسجمة فيما بخص صدور هاته المقتضيات القانونية الزجرية تسير في اتجاه التطبيق السليم للقانون سواء من حيث التجريم والتكييف القانوني للأفعال المخالفة لتدابر الحجر الصحي وهذا ما جعل المشرع المغربي أن جعل العقوبات المؤطرة لحالة الطوارئ تأخذ صبغة جنح فان الوضع العام الراهن وحالة الضرورة والظروف الاستتنائية تجعل المشرع ينحى اتجاه مختلف عن التشريع خلال الظروف العادية ، حتى يتصدى لكل ما من شانه التأثير في الظروف المستجدة وتصبح القاعدة القانونية أكثر نجاعة وتحقيق الأهداف العامة والخاصة التي يتوسمها المشرع الجنائي في السياسة الجنائية ، والتي قد تتسم في بعض الأحيان بالتشدد.

إلا أن العمل بالمقتضيات الزجرية الغير العادية يتعين أن ينسجم مع ما يتضمنه الدستور والمواثيق الدولية من نصوص تحث على التطبيق السليم للقانون أثناء إعمال القانون من طرف السلطات الأمنية دون الإفراط أو الانزلاق إلى ممارسات تحد أو تعطل الحقوق والحريات العامة المعترف بها، وهو الأمر الذي ما فتئت تدعو إليه كل المنظمات الحقوقية الدولية أو الوطنية التي تعتبر أن احترام حقوق الإنسان في ظل هذه الظروف يتعين أن يحترم سلامة الأشخاص واحترام المواطن دون الحط من الكرامة الإنسانية والحث على عدم شرعنة مقتضيات حالة الطوارئ لتجاوزات منفردة لا تنسجم أيضا مع ما تنص عليه السلطات المختصة من خلال المناشير والدوريات.

حيث أن السلطات العامة في إطار التعاطي مع حالة الطوارئ تحاول قدر الإمكان التقيد بهذه المقتضيات، و يبقى وعي المواطن الذي لا يتقيد بالضوابط القانونية خلال هذه الفترة مدار تقاطع مابين ما ينص عليه القانون وكذا الاحترام العام لمقتضياته فيما يخص الأعمال المتناغم مع الحقوق والحريات العامة.

خاتمة:

إن القوانين الصادرة إبان حالة الطوارئ تتميز في غالب الأحيان بطابعها العقابي الأكثر صرامة أخذا بعين الاعتبار حالة الظروف الاستثنائية، ليبقى مدار جدل حقوقي إن تم إعماله سواء أثناء المتابعة أو المحاكمة بأساليب وممارسات تنزلق عن سياق التطبيق السليم للقانون وضمانات المحاكمة العادلة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *