ثارت ثائرة كثيرين في المغرب وفي كل دول القارة الأفريقية وهم يسمعون على شاشة قناة LCI الفرنسية طبيبين، أحدهما رئيس قسم الإنعاش في مستشفى كوشين، يقولان أن شعوب أفريقيا تصلح كفئران تجارب لأحد اللقاحات نظرًا لكونهم يفتقرون لأدوات الوقاية، مشبهين إياهم بالعاهرات اللواتي كانوا يجربون فيهم أدوية نقص المناعة المكتسبة نظرًا لتعرضهن لشتى الأمراض وقوة تحملهن.

شخصيا لم يفاجئني هذا التصريح لأنني أعرف جيدا عنصرية هذه القناة وعنصرية خطها التحريري، كما أنني أعرف أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيه فرنسيون عن الأفارقة كفئران تجارب، فقد قامت فرنسا فعلًا خلال احتلالها للجزائر بتفجير 13 قنبلة نووية في باطن الصحراء الشرقية خلال خمس سنوات كاملة من التجارب في إطار اتفاقية “إيفيان” تسببت في أمراض سرطانية وتشوهات لأكثر من 18 ألف شخصا تضرروا من تفجير القنابل بالمنشآت النووية. ولا زالت جمعيات مغربية تطالب إلى اليوم تعويض فرنسا مغاربة منطقة الساورة عن كل ما لحقهم من أضرار.

لكن ما أثار انتباهي هو تقرير رفعه فريق بحث تابع لمصالح الخارجية الفرنسية حول مجريات الأحداث في دول أفريقيا الوسطى والساحل بسبب تداعيات فيروس كورونا.

وخلف ستار الأحداث المتلاحقة حول الحرب التي يخوضها العالم ضد جائحة كورونا تقوم حرب أخرى سرية خلف الستار بين قوى تريد الحفاظ على مصالحها في أفريقيا وبين قوى أخرى تريد إزاحتها وأخذ مكانها.

فرنسا التي لديها مصالح اقتصادية كبيرة في أفريقيا الوسطى ودول الساحل تخشى أن يتسبب فيروس كورونا في إسقاط الأنظمة الحاكمة والتابعة للكيدورصي ولذلك فمصالحها الخارجية تنشط، منذ أعلنت منظمة الصحة العالمية وبيل غيتس أن الفيروس إذا انتشر في أفريقيا فإنه سيتسبب في كارثة، في البحث عن مخاطبين جدد يمكن التعويل عليهم لإبقاء تبعية بلدانهم لفرنسا.

الصين من جانبها لم تتوقف عند دبلوماسية حقائب الصامصونيت التي تجيدها باريس بل بادرت لإرسال طائرات محملة بالدواء والعتاد الصحي. وقليلون يعرفون أن الصين لديها حوالي ألف طبيب موزعين على دول أفريقية يقدمون الدعم والمساعدة والتكوين للأطقم الطبية المحلية، وهذا لم يحدث اليوم فقط بسبب الجائحة بل هو مخطط بدأته الصين في أفريقيا قبل 57 سنةً.

فرنسا أحست بأن المنافسة الصينية قوية وعملية وملموسة لذلك فعوض بيع الكلام للأفارقة اقترح وزير المالية الفرنسي برونو لومير تجميد سداد الدول الأفريقية لديونها المستحقة لفرنسا من أجل “تجنب مأساة”، والحال أن هذا الإجراء الهدف منه تجنيب فرنسا مأساة فقدان مستعمراتها السابقة التي يسيرها بالتفويض منها عملاؤها الذين وضعتهم عن طريق الإنقلابات وسلطتهم على شعوبهم مقابل تمكين شركة ناريفا الفرنسية من مناجم اليورانيوم وشركة طوطال من آبار البترول والغاز .

واليوم تعول فرنسا للتحكم في الأوضاع، في حال انهيار الأنظمة التابعة لها، على ذوي السلط الدينية سواء في الأوساط الكنسية المسيحية أو الطوائف المسلمة، إضافة إلى مشاهير الدياسبورا المقيمين في فرنسا الذين يؤثرون في الرأي العام الأفريقي والفنانين ورجال الأعمال النيوليبيراليين الذين سيرغبون في استغلال الفرص المتاحة.

وحسب تقرير رفعه فريق في وزارة الخارجية الفرنسية متخصص في دراسة وتحليل الوضع الدولي اسمه CAPS فجائحة كورونا ستكون القشة التي ستقسم ظهر أنظمة أفريقية في منطقة الساحل وأفريقيا الوسطى إضافة إلى رواندا والسينغال والكاميرون والغابون والكونغو برازافيل، مما سيفسح المجال أمام موجات الساكنة الغاضبة من الدولة وسياساتها الإقصائية فرصة إسقاطها.

السيناريو الذي يرسمه هذا التقرير كارثي وسوداوي، لكن الجانب الأخطر فيه ليس هو طبيعته المحذرة بل نزوعه نحو اقتراح حلول تشرح لباريس كيف تغادر هذه الدول من الباب وتعود إليها من النافذة، أي كيف تتحكم في قادة الإنتفاضات المقبلة لكي يسلموا زمام الأمور للكيضورسي عوض تسليمها ليد بكين.

لذلك فما قاله الباحثان الفرنسيان على قناة LCI من كون الأفارقة يصلحون كفئران تجارب للقاحاتهم لم يكن مجرد زلة لسان بل سياسة ثابتة تتبناها الدولة الفرنسية العميقة اتجاه شعوب أفريقيا، وهاهو تقرير CAPS يكشف أنها تتوقع أن تنهار أنظمة وتسود الفوضى ويموت مئات الآلاف وربما الملايين في حروب أهلية وقبلية وعرقية ومع ذلك لا يهمها كل ذلك، فكل ما يهمها هو من سيضمن مصالحها بعد الدمار والخراب.

 

*رشيد نيني مدير النشر لمحموعة أوال الإعلامية

*ينشر بموافقة الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *