Le12.ma – متابعة

عقب مغادرتها المعسكر الشيوعي في أوائل التسعينات، اختارت دول أوروبا الوسطى على غرار بولونيا وهنغاريا والتشيك وسلوفاكيا، ديمقراطية اجتماعية يمينية، أفسحت، بدورها، المجال مطلع سنة 2000، للشعبوية اليمينية بخطاب واحد فقط، تمثل في استرجاع الاعتزاز القومي.

مستغلة أخطاء التيار الديمقراطي الاجتماعي الذي انحرف نحو الليبرالية الجديدة المؤيدة للاستثمارات الغربية، ولاسيما المساس بحقوق العمال والخوصصة المتوحشة والتخلي عن المكتسبات الاجتماعية، ظهرت أولى مؤشرات الشعبوية سنة 2006 في هنهاريا على إثر احتجاجات اجتماعية قوية، بدعم من اليمين المتطرف، في مواجهة الاشتراكيين الديمقراطيين في الحكم آنذاك.

هذه الاحتجاجات فتحت الطريق نحو السلطة لحزب “فيدس” (الاتحاد المدني الهنغاري) بقيادة فيكتور أوربان، رئيس وزراء الحالي، الذي طالما دعا إلى استعادة فخر الأمة وتقديم يد المساعدة للفقراء، خاصة في المناطق الريفية، وأزم علاقة سكان الأرياف والبلدات الصغيرة بسكان الحواضر الكبرى..، عديدة هي المواقف التي سمحت حتى اليوم ببقاء “فيدس” في السلطة ولرئيس الوزراء أوربان بنهج سياسة تتعارض وقيم الاتحاد الأوروبي، سواء من حيث احترام حقوق الإنسان، واستقلال القضاء، أو من حيث حق اللجوء، لاسيما إغلاق الحدود في وجه أحدث موجة من اللاجئين الفارين من الحروب في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وقد كانت هنغاريا أول دولة أوروبية تقوم بتثبيت أسلاك شائكة على حدودها مع صربيا للحيلولة دون وصول اللاجئين إلى أراضيها في عز الشتاء. كما عارضت بودابست قرار بروكسل بقبول حصة من اللاجئين.

ففي أبريل 2018، تمكن رئيس الوزراء الهنغاري، بدعم من أغلبية الناخبين، من الظفر بولاية انتخابية ثالثة، ما منحه دعما لمواصلة لعبة شد الحبل مع بروكسل، وتجاهل دعوات رئاسة المفوضية الأوروبية بشأن احترام سيادة القانون في هنغاريا.

على منوال “فيدس”، وفي بولونيا، حزب “القانون والعدالة”، القومي المحافظ، الذي أسسه الأخوان ليش (توفي سنة 2010 في حادث تحطم طائرة في سمولسنك بروسيا) وياروسلاف كاتشينسكي، بعد قضائه فترة وجيزة في الحكومة من 2005 إلى 2007، سيصل إلى السلطة مرة أخرى سنة 2015، معتمدا خطابا ومشروعا سياسيا قريبا جدا من مشروع فيكتور أوربان وحزبه “فيدس”.

بدوره، حزب “القانون والعدالة” سيعارض بروكسل، وسيبسط سيطرته على وسائل الإعلام العمومية وعلى قضاة المحكمة الدستورية، التي من المفترض أن تظل مستقلة عن السلطة التنفيذية. كما أن الحكومة التي شكلها هذا الحزب ستتبنى نفس الخط السياسي الذي اتبعه “فيدس” بشأن رفض استقبال اللاجئين.

ومنذ توليه السلطة، ركز حزب “القانون والعدالة” على السياسة الاجتماعية، وعلى رؤية أكثر شمولية للنمو الاقتصادي، والتي لا تقتصر على النخبة الحضرية فقط.

وحسب تقرير لمحللين بولونيين، نقلته الصحف المحلية، فإن حزب “القانون والعدالة” أراد التخلي عن الرأسمالية التي تبنتها بولونيا بعد انهيار المعسكر الشيوعي سنة  1989 وفرضتها الدول الغربية لصالح نموذج اقتصادي “لا يمليه الخارج”.

وبالتالي ،ففي كل من هنغاريا وبولونيا، توجه الحزبان الحاكمان للبحث عن الناخبين في المناطق الريفية والمدن الصغيرة والمتوسطة التي تبدي حساسية مفرطة للدعم الاجتماعي الذي قدمه لها الحزبان السياسيان. الأخيران يؤكدان، أيضا، على قيم “الأسرة التقليدية” و”الجذور المسيحية لأوروبا” (كون بلديهما يتصديان “للغزوات” الأجنبية).

وفي سلوفاكيا، السياسة ذاتها في هنعاريا وبولونيا، تبناها روبرت فيكو الذي قاد  ائتلاف أحزاب “يسارية” متحالفا مع أحزاب قومية يمينية فازت في انتخابات سنة 2006 ثم سنتي 2010 و2012، معتمدا توجها يمينيا بشكل متزايد، إلى غاية سنة 2018 في أعقاب استقالة فيكو، على إثر اغتيال أحد الصحفيين.

وفي جمهورية التشيك، فاز أندريه بابيس، رئيس الحكومة، ورجل الأعمال الثري، ومؤسس مبادرة “المواطنون غير الراضين” سنة 2011، بعد تحالف قصير مع الاشتراكيين الديمقراطيين، بانتخابات سنة 2017، متخذا مواقف لـ “حماية حدود أوروبا” من اللاجئين القادمين من إفريقيا والشرق الأوسط.

ومن المؤكد أن التيارات الشعبوية هي الآن جزء من المشهد السياسي في البلدان الأربعة وتواصل استقطاب سياسيين مؤثرين للالتحاق بصفوفها.

وبالفعل، وبعدما فقدوا تأثيرهم خلال السنوات الأخيرة، قدم الليبراليون دعمهم إلى الرئيسة السلوفاكية الجديدة سوزانا كابوتوفا، المحامية الليبرالية، “الأجنبية” و”التقدمية”، للتصدي لتقدم تيار الشعبويين اليمنيي في المنطقة.

وتراهن الرئيسة السلوفاكية والليبراليون في الوقت الحالي على التحولات التي تعتمل على الصعيد الإقليمي والقاري والناجمة عن عواقب جائحة فيروس “كورونا” على اقتصادات الدول الأربعة، آملين في حدوث تغيير على قمة السلطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *