عبد الرزاق بوتمزار -le12.ma

الحلقة 1.
عندما طردني مدير صحيفة النّرجس
وْالله شي فهايميّة ما خْلاّوني نكتبْ على الماتش أ سَعادةْ المُدريرْ.. ما جيتْ فين نگلسْ وْنشدّ الكودْ ديال الويفي حْتى تّجمعات حْدايا واحدْ خمسة أو تسعود ديال الفهاماتّوراتْ تْگول مْتقاعْدين مْن التّحكيم أو من التدريبْ.. جْرّو واحد الطبلة أخرى وجْمعو الكرَاسة وبداوْ يحلّلو. تگول هيرْ بنمبارك أو البوساتي والسعيد زدّوق أو التّيمومي والمهدي فاريا، الله يْرحمو، وفرَس والمعلّمْ الظلمي والزّاكي والبياز وحميدّوش وْغيرهمْ دايرينْ شي سمَر رياضي…

لم يَعقَلْ عليّ، وْلد بوراسْ، بعد تلك المقدّمة. لم يُمهلْني حتى لكي أشرح له الظروف التي لم تُساعدْني في إنجاز “التغطية” (مْن القهوة) للمباراة النهائية اللعينة. طرَدني، راسْ الحلّوف، من مكتبه ومن جريدته إلى غير رجعة.
قال لحارس العمارة، حيث مقرّ “النرجس”: “لا تسمح لهذا المخلوق، بعد اليوم، بأن يُعتّبَ هنا.. وَايّاكْ، غادي نزيدْكْ عْليه إلى باقي لقيتُو داخْل عْندي هْنا”…
-كيفاشْ عندْك هْنا؟ أش تيسحابْ ليك هادي زْريبة ديالكْ، تدخّل ليها اللي بيتِ وتخرّجْ اللي بيتِ؟! هادي راها جريدة أ سّي خالد بوراسْ.. إلى كنتِ ناسي نفكّرْك! وْأصلانْ، أنا ناوي نْمشي.. هاكْ، ها هي… استقالْتي!

لم يتركه جوابي يواصل نفخ عنگرته الغليظة، وفوقها رأسُه الكبير. يقول عنه الزملاء، سرا، إنّ رأسه غليظ وكبير لأنّ فيه كثيرا من الحقد والغلّ والغيرة والحسد تجاه كل الناجحين، مديرين كانوا أو صحافيين أو مراسلين أو صحافيين مصورين. يقولون، أيضا، وهم يضحكون، إنّ رأسه الكبيرَ سببُ حملِه لقب بُوراسْ. لكنهم حين يرون جثته الهائلة تخرج من بين الجدران الخلفية لتلك الشقة التي اتخذها مقرا لصحيفة النرجس، يصمتون، في تواطؤ مخجل، وهم يرنُون إليه بنظرات ثعلبية متذلّلة، مُتصنّعين خنوعاً تاما لسطوته على الناس والمكان والأشياء هنا. كنتُ أمقتُ أولئك الذين يصمتون حين تلوح جثة المدير بُوراسْ، لكنْ لم يُطلّ بي المقام بينهم، لحسن الحظ.
شيءٌ ما في ذلك اليوم البعيد أخبرني بأن ذلك سيكون يومي، أو بالأحرى صباحي الأخير في صحيفة النرجس وآخر مرّة أقابل فيها جثة مديرها النرجسيّ الغليظ، ذي الرأس الكبير، الذي يحمل لقب بُوراسْ.
حين صبّحتُ على هْنيّة وهي تراقب، من مخبئها الأبدي خلف دفّة بلكونتهم في العمارة المشترَكة، أيقنتُ أن يومي سينتهي بمصيبة، مثلها.

وهْنيّة هذه مصيبة حقيقية، لكنْ سأعود إليها لاحقاً. دابا خلـّيوْني نعاود ليكم كيفاشْ ترّا عْليّ هاد وْلد لحرامْ ديال مدير صحيفة النرجس. لقد أراد طردي شرّ طِردة، لكني صفعتُه بورقة الاستقالة.
كانت مباراة نهائية للتشامبيونز ليغْ. الريال يواجه ليفربول. (وانـ@ـا ما لي؟) كنتُ أقول لي، وأنا أتابع الماتش. لم أكنْ أحب أن أتابع مباريات الغريم إن لم تكن في مواجهة برشلونة. في المقابل، يعجبني هؤلاء الفْهايميّة الواعْرين، الذين يحيطون بي في مقهى النرجس (لاس فيغاس سابقا). حين تتفرّج في مباراة مع هؤلاء ستنسى كل ما تعرف وما ما لم تعرف.
كان المدير ينتظر تغطية لمباراة سيفوز فيها الغريم برباعية ويتوّج باللقب. (وانـ@ـا ما لي؟) أقول لي، وأنا أسمع أكثر ممّا أشاهد. الرّيال غادي يربحْ وانا ما لي؟
لم يكن يهمّه شيء ممّا يقع في هامش المجتمع. يريد تفاصيلَ عن المباراة ونقطة إلى السطر. أزيد من 400 كلمة مع صورة للاعبي الفريق المتوَّج. وكيف يتركك هؤلاء الفْهايميّة المحيطون بك في مقهى النرجس تنجز تغطية لمباراة الغريم؟

لا يهمّه أن يُبرزطك الموعْلّقون، الذين يفهمون حولك في مقهى النرجس أكثر من زيدان وكلوب. لا يتركونك تحرّر تلك المقالة البائسة لصحيفته، النّرجسية، وتلتقط صورة ثم تكبّرها وتبعث الكلّ. كل تلك التعليقات تثيرُني. لماذا يفهم هؤلاء الموعلّقون الموحّترفينْ غير المرسَّمين في كل شيء؟ ثمّة أشياء كثيرة أهمّ من تعليقات مرتجَلة سريالية. شيء ما في قصصهم يجذبني أكثر من تفاصيل المباراة. أعرف أن ريال مدريد سيتوَّج بها لكنْ تجذبني دروس السّوسيولوجيا. شغلني الاستماع إلى التعليقات المُضحكة المدهشة. أغفلتُ الكتابة عن الماتشْ.

كان راموس قد شتَف على صلاح. المصريّ كان دافِع الكثيرين ومحفّزا إضافيا لتشجيع ليفربول. وبما أننا نفهم في كلّ شيء، تروق تعليقاتنا أكثر من متابعة الماتشْ. لقد قَتل، عدو الله، المباراة. حين هرّسَ مدافع الرّيال مهاجم الإنجليز انتهت المباراة بالنسبة إلى “فْقها” الكورة، المحيطين بي في مقهى النرجس.
طرَدني، في الأخير، وْلد بوراسْ.

لم يهمّه تبريري، تبريراتي. لا يفهم في شيء غير الرياضة. يريد صورة ومقالة وكفى. كانت عْندي الصّورة لكنْ.. المقالة البائسة لم تُكتَب. كتبتُ حلقة أولى من يوميات اقترحتُها على منافسه، خالد بُوقالْ. قرَأ بُوقالْ، مدير صحيفة الوقت الضائع، الحلقة وأعطاني إذناً بالنشر. كانت يوميات ساخرة. تحدّثتُ عن السوسيولوجيا، بدل الرّياضة -الماركوتينغ، فطردني بُوراس، مدير جريدة النرجس. لكنّ مدير الوقت الضائع، أنقذني من الضّياع.

***
يُتبع
