أشهد لعبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لما تبقى من حزب العدالة والتنمية، بأنه لاعب ماهر في سوق الشعبوية، لكني منذ سنوات لا آخذ كلامه على محمل الجد، مثل أغلب “إخوانه”، وأحذر من كل تصريحاته، بل أكاد لا أصدق كلامه، مثلما لا أصدق أغلب “إخوانه”.
لماذا؟
لأن بوانو، الذي يتبورد هذه الأيام على صهوة الصفقات العمومية وما يسمى تضارب المصالح، ويستعرض مهاراته بطريقة غير مسبوقة، ربما بفعل جرعة حب وثقة ملغومة وغريبة وغير متوقعة من شيخه العام عبد الإله ابن كيران، هو نفسه الذي “فجَّر”، قبل سنوات، ما سمَّاه فضيحة تلقي ثلاث نواب برلمانيين رشوة، قيمتها مليارا سنتيم، من شركةِ تِبغٍ، مقابل تمرير مقترح لخفض الضريبة!!.
مضمون تصريحات بوانو، قبل 11 سنة، ما زال موثقا على الأنترنيت. ويكفي رقن عبارة “بوانو وشركة التبغ” على گوگل لتظهر روابط المقالات في هذا الموضوع.
لكن، فجأة انتهى كل شيء. لا تحقيق ولا استطلاع ولا تصريح. اختفت الفضيحة بدون شرح ولا تفسير!
وهذا يحتمل أمرين، إما أن بوانو طيّح الباطل على الزملاء ديالو، وإما أنه ساهم في التستر على جريمة بركونه إلى الصمت بعد الجعجعة.
الجريمة السياسية هي أن تخبط على الطبلة، وفجأة تتكمّش كأنما لا شيء حدث، وكما لو أن هذا الرأي العام مجرد كراكيز تتلاعب بعواطفها مثلما شئت ومتى شئت بلا حساب!!!
لهذا قلت إن كلام بوانو لا بد أن يُؤخذَ بحذر، فهو صاحب سوابق في “تفجير الفضائح” وغض الطرف عنها مباشرة بعد… شي حاجة!
هذه أُمُّ الفضائح!
ولهذا أَحذَر من كل ما يقول بوانو بخصوص الصفقات وما يسميه تضارب المصالح، وخصوصا أحذر الشكل الذي يقول به ما يقول، فهو ميَّال إلى البهرجة والاستعراض والشو، لاعبا على وتر يعرف أنه حساس جدا لدى الرأي العام.
والحقيقة أن بوانو يستفيد من حصانتين، حصانة برلمانية وأخرى شعبوية. الأولى تمنحه الحق في قول أي شيء (وليس كل شيء!!!)، والثانية تعفيه من المسؤولية في الكلام.
إذا كان شعار المرحلة هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإنه لا بد، كذلك، من ربط الحصانة بالمسؤولية، فتصريف الأحقاد السياسية على حساب صورة الوطن كله بلغ مستوى مقرفا للغاية، وتصوير الحكومة كما لو كانت سوق جملة لا يؤثر سلبا على رئيسها بل على دولة المؤسسات.
بعض القضايا لا ينبغي أن تتوقف في حدود الحصانة ولجن الاستطلاع والتقصي. القضاء هو الحل، حتى يتوقف هذا العبث ولو قليلا، وحتى بتوقفاللعب بعواطف المغاربة في سياق يسوده الميول نحو التهام الفساد الافتراضي.
أعي جيدا أن الموجة تقتضي الانضمام إلى حملات اللطم الجماع، دون تمحيص ولا تدقيق.
لكن، أليس من الموضوعية التأمل في ما قاله وزير الصحة اليوم؟
ماذا قال؟
ملخص كلامه كالآتي:
✅ أتعرض لمحاكمة النوايا
✅ ترويج معلومات مغلوطة عن صفقات الإدارة العمومية ضرب لمؤسسات الحكامة
✅ كنتعرض لهجمات فيما كنبغيو ندخلو للاصلاح
✅ كلما أردت إصلاحا من الرقمنة للحراسة للأدوية أتعرض لمحاكمة النوايا
✅ لوبيات كنتكلمو على هاد المصطلح راها قوية جدا، وتقدر تكون فأي بلاصة وعندها قدرة على التأثير والتحول
✅ خاص نحضيو مع قدرتها على التأثير على الرأي العام للدفاع عن مصالحها
لا أبصم على كلام وزير الصحة ولا أدعي أنه على حق.
لكنه كلام يؤكد أن الحذر واجب في هذه المعارك، والاصطفاف ليس مهمة سهلة أبدا، حتى لو كان الشعار الرنان هو تضارب المصالح.
من يضمن أن معركة تضارب المصالح والصفقات ليست إلا دفاعا عن صفقات ومصالح أخرى؟
من يضمن أن معركة تضارب المصالح ليست إلا ضربا لمصالح لصالح مصالح أخرى؟
أين مصلحة المواطنين من هذا كله؟
الشك واجب.
*رضوان رمضاني-صحفي مغربي
