بين تحولات المواقف الدولية واقتراب موعد الحسم بمجلس الأمن، تتجه القضية الوطنية نحو تتويج مبادرة الحكم الذاتي المغربية كخيارٍ أممي وحيد وواقعي.

تتجه الأنظار خلال الأيام المقبلة إلى مجلس الأمن الدولي، الذي يتهيأ لمناقشة التقرير الدوري حول قضية الصحراء المغربية وتجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة “المينورسو”، وسط تحولات نوعية في المواقف الدولية باتت تؤشر إلى أن العالم يتهيأ لتتويج المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل وحيد واقعي للنزاع الإقليمي المفتعل.

التحول الدولي: من الحياد إلى الاعتراف

لم يعد المغرب يخوض معركة الإقناع، بل يعيش مرحلة القطاف السياسي لما زرعته دبلوماسيته الهادئة والحازمة بقيادة الملك محمد السادس. فثلاث دول من بين الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن، وكلها تملك حق النقض (الفيتو)، باتت تعترف صراحة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية:

الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت أول دولة كبرى تُعلن، بقرار رئاسي في دجنبر 2020، اعترافها الكامل بسيادة المغرب على الصحراء.

فرنسا، التي أكدت في أكثر من مناسبة أن الحكم الذاتي المغربي هو “الحل الوحيد الجاد والواقعي”.

المملكة المتحدة، التي تبنّت في مواقفها الأخيرة رؤية متقدمة تعتبر مبادرة الحكم الذاتي “قاعدة صلبة للنقاش السياسي الواقعي”.

أما روسيا الاتحادية، التي كانت تُصنَّف سابقًا في خانة الحذر، فهي اليوم بصدد إعادة تموضع دبلوماسي محسوب. فقد عبّر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشنين، خلال لقائه السفير المغربي في موسكو لطفي بوشعرة، عن دعم بلاده لجهود “حل سياسي دائم ومقبول من جميع الأطراف” — وهي العبارة المفتاحية التي تعبّر عن التحول الروسي التدريجي نحو الموقف المغربي.

أما الصين الشعبية، وإن لم تُصدر بيانًا سياسيًا مباشرًا، فإن استثماراتها الضخمة في الأقاليم الجنوبية (من مشاريع الطاقات المتجددة إلى البنية المينائية والتكنولوجية) تمثّل في حد ذاتها اعترافًا عمليًا بالسيادة المغربية. فبكين التي تواجه تحديات الانفصال في تايوان لا يمكنها دعم كيان انفصالي في شمال إفريقيا دون أن تناقض مبادئها الراسخة في وحدة الدول.

من “مينورسو المراقبة” إلى “مينورسو التنفيذ”

في هذا السياق الدولي الجديد، تبرز داخل أروقة الأمم المتحدة دعوات متزايدة إلى إعادة تعريف مهام المينورسو. فقد أثبتت التجربة أن هذه البعثة، بصيغتها التقليدية، تحوّلت إلى جهاز مراقبة للجمود، لا رافعة لتقدم المسار السياسي. لذلك يُطرح اليوم احتمال تحويلها إلى بعثة تنفيذية تُشرف على تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المغربي باعتبارها الحل العملي الوحيد الممكن.

هذا السيناريو يجد سنده في القانون الدولي وفي سوابق أممية مشابهة، ما يجعل من الأمم المتحدة شريكًا في تنفيذ الحل السياسي بدل الاكتفاء بدور المتفرج على النزاع.

التحولات الدولية واحتضار الأطروحة الانفصالية

إن التحول الملحوظ في مواقف القوى الكبرى، من واشنطن إلى موسكو ومن لندن إلى بكين، يؤكد أن الأطروحة الانفصالية دخلت مرحلة الاحتضار السياسي، وأن الجزائر وجبهة البوليساريو فقدتا آخر مبررات الوجود الدولي لقضيتهما المفتعلة. لقد انتصر المنطق الواقعي على الأوهام الثورية القديمة، وصار صوت المغرب هو من يُملي أجندة النقاش الدولي لا العكس.

الجزائر خارج منطق العصر

القرار المنتظر نهاية أكتوبر لن يكون مجرد تمديد روتيني لولاية أممية، بل سيكون اختبارًا لمصداقية مجلس الأمن في مواجهة نزاعٍ مفتعل طال أمده بلا جدوى. فإما أن يواكب المجلس التحول الواقعي الجديد، أو يظل سجين بياناته التقليدية التي تجاوزها التاريخ.

في المقابل، تبدو الجزائر وكأنها آخر من يدرك أن خريطة العالم تغيّرت. فبينما تتقدم الأمم نحو الواقعية، تواصل الجزائر الارتهان إلى خطابٍ بائدٍ من سبعينيات القرن الماضي، تُنفق المليارات على مشروعٍ وهميٍّ لم يثمر سوى العزلة. لقد فقد النظام الجزائري القدرة على التكيّف مع التحولات الكبرى، إذ ما زال يُصر على معاداة المغرب في زمنٍ أصبحت فيه حتى القوى العظمى تعترف بسيادته وتراهن على استقراره الإقليمي.

إن العالم يتجه بثقة نحو الاعتراف بالمغرب كقوة استقرار إفريقية وفاعلة في السلم الدولي، بينما تبقى الجزائر غارقة في حساباتٍ باردة لزمنٍ انتهى. وهنا يكمن الفارق بين دولة تصنع المستقبل بدبلوماسية هادئة ونظامٍ يهرب من الحاضر بشعاراتٍ جوفاء.

* أحمد عبد ربه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *