عشية مشاورات مجلس الأمن المغلقة حول تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو)، وجدت جبهة “البوليساريو” الانفصالية نفسها أمام واقع دبلوماسي متغير يضع حدا لنزاع دام نصف قرن من الزمن.
لقد سارعت قبل الساعات البوليساريو ومن وراءها الجزائر، إلى الصراخ بدون صدى، وهي تعلن تحدي المنهزم بمقاطعة كل تفاوضي سياسي، على قاعدة المقترح الأمريكي.
جاء ذلك بعدما وزعت الولايات المتحدة، بصفتها صاحبة القلم في هذا الملف، مسودة قرار تؤكد للمرة الأولى أن مقترح الحكم الذاتي المغربي يمثل “الأساس الأكثر جدية وواقعية وموثوقية” لحل النزاع الذي امتد لأزيد من نصف قرن.
فرغم محاولة جديدة لها لعرقلة هذا المسار عبر توجيه رسالة إلى فاسيلي نيبينزيا، الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة والرئيس الحالي لمجلس الأمن روسيا، والتي أعربت فيها الحركة الانفصالية عن رفضها لمشروع القرار الأمريكي واعتبرته “خروجا خطيرا عن القانون الدولي”، إلا أن خطوة “البوليساريو” بدت انعكاسا لحالة ارتباك سياسي أكثر منها تحركا مؤثرا في ميزان القوى داخل المجلس.
يحدث هذا المقترح المغربي، يواصل حصد المواقف الدولية المؤيدة للطرح المغربي كحل وحيد قابل للتطبيق.
بالعودة إلى الرسالة التي وقعها ممثل الجبهة الانفصالية، محمد عمار، نجد أنها لم تحمل أي جديد، فقط أعادت تدوير الخطاب التقليدي ذاته، مكررة الإشارة إلى “مقترح موسع”، قدمته للأمين العام للأمم المتحدة في 20 أكتوبر الجاري، والذي لم يجد أي صدى في أروقة الأمم المتحدة، بعدما بات واضحا أن لا دولة مؤثرة داخل مجلس الأمن تتحدث اليوم عن خيار آخر غير مبادرة الحكم الذاتي المغربية.
مناورة يائسة
مناورة “البوليساريو” الانفصالية المكررة والضعيفة الصدى، تأتي في وقت المجتمع الدولي لم يعد يستطيع الانتظار أكثر.
ويرى متابعون أن التحرك الأخير للجبهة الانفصالية موجه أساسا للاستهلاك الإعلامي ولمحاولة الحفاظ على ماء وجه صنيعتها الجزائر، التي تجد نفسها في موقع دفاع صعب أمام التغير الواضح في المواقف الدولية.
وتتقدم الدول الكبرى بخطى ثابتة نحو تبني الحكم الذاتي كخيار وحيد. ويؤكد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقريره السنوي المقدم إلى مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية، تنامي الالتزام الدولي بإيجاد تسوية لقضية الصحراء المغربية، التي تدخل عامها الخمسين.
وسلط التقرير، الذي صدر أول أمس الأربعاء، الضوء على الضرورة الملحة لاغتنام هذه اللحظة التاريخية بغية تسريع وتيرة السعي نحو تحقيق حل سياسي دائم.
وأشار التقرير إلى أن الأمم المتحدة، من خلال المبعوث الشخصي للأمين العام، ستافان دي ميستورا، تواصل جهودها لإحياء مسلسل المفاوضات رغم العقبات المستمرة، مؤكدا أن الدعم المتنامي الذي يعبر عنه المجتمع الدولي يشكل منعطفا حاسما في هذا النزاع المستمر منذ خمسة عقود.
وسلط التقرير الضوء على عنصر أساسي يتمثل في الالتزام المتجدد المعبر عنه من قبل القوى الكبرى، التي تكثف دعواتها لإيجاد حل متفاوض بشأنه قائم على مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب.
وذكر غوتيريش بتجديد واشنطن تأكيد موقفها الداعم لـ “السيادة المغربية على الصحراء”، وتشديدها على ضرورة “انخراط الأطراف دون تأخير في مفاوضات” تستند إلى المبادرة المغربية للحكم الذاتي كإطار وحيد، مضيفا أن الولايات المتحدة على استعداد لـ “تسهيل التقدم” نحو التوصل إلى حل.
كما أبرز الأمين العام موقف المملكة المتحدة الداعم لحل الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، واصفة إياه بـ “الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية” من أجل التوصل إلى تسوية دائمة.
وأشار إلى أن لندن عبرت عن التزامها بـ “تقديم دعم فعال” لجهود المبعوث الشخصي للأمم المتحدة من أجل الدفع قدما بالعملية السياسية.
تثبيت لواقعية المقترح المغربي
وزعت الولايات المتحدة الأمريكية على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي مسودة مشروع قرار جديد حول الصحراء، تؤكد فيه للمرة الأولى أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب سنة 2007 يمثل “الأساس الأكثر جدية وموثوقية وواقعية” للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم للنزاع.
وفي تحول كبير لقضية الصحراء، قدمت الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي، مسودة مشروع قرار لمناقشته والتصويت عليه، يدعو إلى إقرار المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء كـ”حل وحيد” لهذا الملف الذي عمّر لنصف قرن.
ووفق المعطيات المسربة من المسودة الأمريكية، حاملة القلم في هذا الملف، فإن واشنطن قدمت مسودة مشروع إلى أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى استئناف المفاوضات بين جميع الأطراف المعنية على أساس الحكم الذاتي كمبادرة وحيدة لحل هذا الملف.
وأعرب مشروع القرار عن الدعم الكامل للأمين العام ومبعوثه الشخصي، ستيفان دي ميستورا، في جهودهما الرامية إلى دفع العملية السياسية قدمًا، بما في ذلك من خلال المشاورات بين المبعوث الشخصي والمغرب وجبهة “البوليساريو” والجزائر وموريتانيا، للبناء على التقدم المحرز في هذا الباب.
وأشارت المسودة إلى الدول الأعضاء الداعمة للحكم الذاتي المغربي الذي وصفته المسودة بـ” الجاد والموثوق والواقعي، المقدم في 11 أبريل 2007 إلى الأمين العام، باعتباره الأساس الأكثر مصداقية لحل عادل ودائم للنزاع”.
واعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية في مسودة مشروعها المقدم لمجلس “أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر جدوى” حيث قام الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بدعمه، ويدعو جميع الأطراف إلى الانخراط في مناقشاته دون تأخير كإطار وحيد للتفاوض لإيجاد حل مقبول للطرفين؛ كما يدعو أعضاء المجلس الأمن بتسهيل المفاوضات.
الملفت في المسودة أنها دعت إلى تمديد ولاية “المينورسو” إلى شهر يناير من السنة المقبلة (2026)، كما حثت على دعوة الطرفين إلى المشاركة في مفاوضات دون تأخير أو شروط مسبقة، على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل، قبل انتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء، إلى حل سياسي نهائي ومقبول من الطرفين، يضمن ذاتيا حقيقيا داخل الدولة المغربية، باعتباره الحل الأكثر جدوى.
وتمثل المسودة الأمريكية انعطافة حاسمة في التعاطي الدولي مع قضية الصحراء المغربية.
وهذا التحول، الذي يتقاطع مع مواقف أوروبية متقدمة أبرزها من لندن ومدريد وبرلين وباريس، يضع “البوليساريو” الانفصالية والجزائر في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة، ويفرض عليهما مواجهة واقع سياسي جديد يتشكل على إيقاع دينامية مغربية متصاعدة.
عادل الشاوي / Le12.ma
