حسين عصيد
تعدّ الجهوية المتقدمة من أبرز السمات التي تميز الأنظمة السياسية والإدارية المعاصرة، وهي نسخة متطورة لنظام اللامركزية ووسيلة ديمقراطية مثلى لإشراك السكان في تدبير شؤونهم، من خلال مؤسسات جهوية ومحلية تحظى بصلاحيات واسعة وإمكانات بشرية ومادية مهمّة، دون المس بسيادة الدولة وكيانها.
ويحطى موضوع الجهوية المتقدمة بأهمية قصوى في مسلسل الإصلاح الذي أطلقته السلطات العمومية من أجل تسريع وتيرة التنمية والتغلب على تحديات العولمة.
وتندرج المجهودات المبذولة في هذا الشأن في إطار تدعيم مسلسل اللامركزية، عبر سن ترسانة قانونية وتنظيمية تمكّنها من الحصول على من الموارد والآليات الضرورية التي تمكنها من تقوية التدبير واتخاذ القرارات المحلية.
في هذا السياق تم، أمس السبت في أكادير، التوقيع على الإطار التوجيهي لتفعيل ممارسة اختصاصات الجهة بين أعضاء من الحكومة والجهات الـ12 في المغرب، في ختام أشغال المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، الذي يهدف إلى العمل بمخرجات الدراسة المتعلقة بتدقيق وتفصيل الاختصاصات، ذاتية كانت أو مشتركة، وبالتالي تسريع وتيرة ممارسة الجهة لهذه الاختصاصات وانخراط كل الأطراف في عملية تنزيلها، وفق خصوصيات كل جهة والإمكانات المالية والبشرية المتاحة لها.
ولبلوغ هذا الهدف، يحدد الإطار التوجيهي سبل التعاون والشراكة بين الأطراف المعنية، في إطار تعاقديَ يبرز التزامات الأطراف في هيئة عقود برامج بين كل جهة على حدة، والقطاع الحكومي المعني بهدف تفعيل اختصاصات الجهة، الذاتية والمشتركة، مع الحرص على انسجامها مع برنامج التنمية الجهوية والإستراتيجية القطاعية ذات الصلة.
وفي أفق تأسيس المغرب جهوية متقدمة تنبني على آخر ما توصل إليه فقهاء الاقتصاد من نظريات ذات صلة، وقعت ألمانيا والمغرب في نونبر 2019 في برلين مذكرة لإقامة “شراكة من أجل الإصلاحات”، جاءت كمساهمة ثنائية لألمانيا في إطار مبادرة مجموعة العشرين “الميثاق مع إفريقيا”.
وتتمحور الشراكة الجديدة للإصلاحات المبرمة بين البلدين حول برنامج دعم لتنفيذ الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب، خصوصا ما يتعلق بتحسين مناخ الأعمال والاستثمار وتعزيز الجهوية المتقدّمة.
ويلتقي رهان المغرب على الجهوية المتقدّمة، الذي يضعه المغرب نصب عينه، مع الرهان الذي دخلته ألمانيا بُعيد الحرب العالمية الثانية، وعملت به جزئيا بعد تقسيمها، لتعود إلى تفعيله في كافة أراضيها بعد سقوط جدار برلين في 1991، والذي يُشبه في خصائصه المشروع المغربي في كل مظاهره، لكون البلدين معا يتوفران على المنظومتين الاقتصاديتين ذاتيهما في الاعتماد على اللامركزية. ونجح المشروع الالماني مع صعودها كقوة اقتصادية تُعدّ الخامسة في العالم، فيما لا يزال المغرب يُؤسس للتجربة منذ 2011، لما ستتيح من تحقيق للتقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي في كافة المناطق، عبر وضع مخططات وإستراتيجيات مختلفة وبرامج لمكافحة الاختلالات والفوارق المجالية والاجتماعية.
