أثار حادث انهيار عمارتين سكنيتين بحي المسيرة بمنطقة بنسودة في فاس، والذي وقع ليل الثلاثاء-الأربعاء، وأسفر عن وفاة 22 شخصًا وإصابة 16 آخرين، انشغالاً بالغاً لدى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.
ففي بلاغ رسمي صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)، أعلنت الهيئة عن متابعتها “بانشغال بالغ” للحادث الأليم، مؤكدةً أن فريق لجنتها الجهوية قد باشر عمله لمتابعة ملابسات الكارثة وآثارها.
تعازٍ وتذكير بالالتزامات الدولية
برئاسة آمنة بوعياش، تقدّم المجلس بتعازيه الحارة للأسر المكلومة وتمنياته بالشفاء العاجل للمصابين جراء هذا الحادث الأليم الذي خلف خسائر بشرية ومآسي اجتماعية جسيمة.
لم يكتفِ المجلس بتقديم واجب العزاء، بل سارع إلى التذكير بأن الحق في السكن اللائق هو حق أساسي من حقوق الإنسان، مكفول بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومكرّس في الدستور المغربي.
وأعاد “مجلس بوعياش” التأكيد على مفهوم السكن اللائق كما حددته لجنة الأمم المتحدة، مشدداً على أنه يتجاوز مجرد توفير المأوى ليشمل عناصر حاسمة مثل السلامة الإنشائية والحماية من الأخطار وجودة البنايات، بما يضمن صون كرامة الإنسان.
كما استحضرت الهيئة توصيات آلية الاستعراض الدوري الشامل التي دعت المملكة مراراً إلى تسريع معالجة أوضاع السكن غير اللائق وتأهيل الأحياء الهشة.
تكرار الحوادث يفرض استراتيجية استباقية
اعتبر المجلس أن تكرار حوادث انهيار البنايات السكنية يشكل مساسًا مباشرًا بمقتضيات هذا الحق كما حددته المعايير الدولية، ما يستدعي اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة تقوم على الاستباقية والمراقبة المنتظمة والصارمة وتطوير آليات الرصد والتنبؤ.
وبناءً على ذلك، شدد المجلس على الحاجة الملحّة لتعزيز ضمان وتيسير ولوج المواطنات والمواطنين إلى الحق في السكن اللائق، باعتباره أحد الحقوق الاجتماعية الأساسية، في احترام تام للالتزامات الدستورية والدولية وتوجهات النموذج التنموي الجديد.
المساءلة والتطبيق الصارم لقانون التعمير
في خطوة نحو ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، طالبت الهيئة الحقوقية بضرورة نشر نتائج التحقيق القضائي حول هذا الحادث الأليم وترتيب المسؤوليات.
ودعت المؤسسة إلى تعزيز التنسيق المؤسساتي بين القطاعات الحكومية المعنية والإدارة الترابية والمجالس المنتخبة، في إطار التزام جماعي يجعل الحق في السكن اللائق وسلامة المواطنات والمواطنين في صلب البرامج والسياسات العمومية.
كما حثّت على الإسراع في تنفيذ برامج تأهيل الأحياء والمباني المتدهورة، خاصة داخل المدن العتيقة والمناطق التاريخية، مع ضمان انخراط فعلي للجماعات الترابية واحترام معايير السلامة أثناء عمليات الترميم أو الهدم أو إعادة الإسكان.
وأكد المجلس ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات قانون التعمير وما يرتبط به من قواعد تنظيم البناء والتجهيز، ولا سيما إلزامية رخص البناء وربطها بالمراقبة التقنية الصارمة وجودة التصميم الهندسي.
ودعا إلى وضع آلية مشتركة دائمة للتدخل السريع عند رصد تشققات أو عيوب إنشائية، بما يسمح بالتدخل الاستباقي قبل وقوع الحوادث حمايةً للأرواح وضمانًا للأمن العمراني.
مقاربة اجتماعية مستدامة لإعادة الإيواء
من جانب آخر، دعت المؤسسة المواطنات والمواطنين إلى التفاعل الإيجابي مع توجيهات السلطات المختصة، خاصة في ما يتعلق بإخلاء المباني الآيلة للسقوط، والتبليغ عن أي تصدعات أو مؤشرات تهديد لسلامة البنايات التي يقطنون بها، والانخراط في برامج إعادة الإيواء.
وجددت الهيئة دعوتها إلى اعتماد سياسة عمومية مستدامة لإعادة إيواء الأسر القاطنة في المباني المهددة بالسقوط، تقوم على توفير بدائل سكنية لائقة ومتكاملة وفق مقاربة اجتماعية قائمة على الكرامة والإنصاف والعدالة المجالية، لا تقتصر على حلول ظرفية أو مؤقتة، لضمان أمن عمراني يحفظ الأرواح والكرامة الإنسانية.
إدريس لكبيش/ Le12.ma
