تطبيق “ديسكورد” (Discord) الذي يستعمله شباب “جيل Z”، نعمة وراءها نقمة الاختراق والتوجيه الإجرامي
إعداد: “Le12.ma”
في الوقت، الذي تراجعت جاذبية بعض شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية لدى “جيل Z”، يبرز تطبيق “ديسكورد” (Discord) كأحد البدائل الرقمية الأكثر إقبالًا بين الشباب. فبعد أن انطلق أساسًا كمنصة مخصصة لعشاق الألعاب الإلكترونية، سرعان ما تحوّل إلى فضاء رقمي شامل يضم مجتمعات متنوعة تمتد من التعلم والبرمجة والفنون، إلى النقاشات الثقافية وحتى السياسية. وفي المغرب، صار “ديسكورد” يحظى باهتمام متزايد، خاصة وسط فئة من الشباب الباحثين عن مساحات رقمية أكثر تنظيمًا وحرية.
ما هو ديسكورد ولماذا يجذب جيل Z ؟
يقوم “ديسكورد” على فكرة الخوادم (Serveurs)، التي تتفرع إلى قنوات موضوعاتية تتيح للمستخدمين التفاعل عبر النص والصوت والفيديو والبث المباشر. ويمنح التطبيق مرونة كبيرة في تنظيم المجتمعات الرقمية، من خلال تقسيم الأعضاء إلى أدوار وصلاحيات محددة.
ما يميّز التطبيق، بالنسبة لجيل Z، هو ابتعاده عن هيمنة الخوارزميات التي تفرضها المنصات الأخرى. فالمستخدم يرى فقط ما يختاره بنفسه عبر الانضمام إلى الخوادم التي تهمه. كما يوفر إحساسًا بالانتماء، إذ يمكن للشاب المغربي أن يجد نفسه جزءًا من مجتمع مصغّر يتشارك معه الاهتمامات والهوية الرقمية دون الحاجة إلى أن يكون “مؤثرًا” أو صاحب شهرة.
حضور “ديسكورد” في المغرب
رغم أن الأرقام الرسمية غير متوفرة، إلا أن المؤشرات الرقمية توضح أن هناك عشرات الآلاف من الشباب المغاربة داخل خوادم متخصصة، سواء تلك الموجهة للألعاب، أو للنقاش الثقافي والفني، أو لتبادل الخبرات التعليمية. ظهرت مجتمعات رقمية مغربية تحمل أسماء خاصة بالهوية المحلية، وتجمع شبابًا من مختلف المدن، ما يعكس تنامي مكانة المنصة كفضاء تواصل بديل يخرج عن أنماط التواصل التقليدية، التي تهيمن عليها تطبيقات مثل واتساب وإنستغرام وفايسبوك…
الاستخدامات الشائعة لدى الشباب المغربي
الألعاب الإلكترونية: يظل المجال الأول والأكثر نشاطًا، حيث يتيح ديسكورد للاعبين المغاربة التنسيق الصوتي والفوري أثناء اللعب، إلى جانب البث المباشر للألعاب.
المجتمعات الثقافية والمعرفية: خوادم للنقاش الأدبي والفني، تعلم اللغات، تبادل المعرفة الرقمية، والبرمجة.
التعليم والتدريب: بعض الطلبة والأساتذة يستعملونه لإدارة ورشات دراسية ودروس مساندة.
الفنون والإبداع: يشارك الفنانون الشباب أعمالهم ويتعاونون على مشاريع موسيقية أو تصميمات رقمية.
النقاش المجتمعي والسياسي: في بعض الحالات، يتحول إلى ساحة للنقاش حول قضايا محلية ووطنية، أو لتنسيق مبادرات شبابية غير رسمية.
ولوج ميسّر لاستخدام ديسكورد في المغرب
أول ما يميز التطبيق هو استهلاك معقول للبيانات، ما يجعله مناسبًا لشباب يعتمدون على تعبئات محدودة. كما أنه متوافق مع مختلف الأجهزة، من الهواتف إلى الحواسيب والمتصفحات. وإضافة إلى ذلك، يمنح المشرفين مرونة في تنظيم القنوات وحماية الخصوصية، سواء عبر تقييد الوصول أو تحديد الأعمار أو تقسيم الأدوار داخل كل خادم. أما خاصية البث المباشر ومشاركة الشاشة، فهي تجعل المنصة بيئة ملائمة للتعلم التفاعلي والأنشطة الجماعية.
التحديات والمخاطر
لكن انتشار “ديسكورد” لا يخلو من تحديات. هناك دائمًا مخاطر مرتبطة بالخصوصية، كالتعرض للتنمر الرقمي أو الروابط الخبيثة. كما أن غياب الوعي الرقمي لدى بعض المستخدمين يجعلهم عرضة للاستغلال. إلى جانب ذلك، ما يزال الحاجز اللغوي قائمًا، إذ يغلب على كثير من المجتمعات التواصل بالإنجليزية أو الفرنسية. أما في السياق السياسي، فإن استخدام المنصة للتنسيق أو النقاش قد يثير حساسيات مرتبطة بالرقابة أو الرصد.
اختراقات الجزائر وبوليساريو عبر “ديسكورد” بالمغرب
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والاشتباكات المعلوماتية، يُمثل “ديسكورد” اليوم بيئة رقمية ذات مخاطر فعلية للمستخدمين المغاربة، سواء بصبغة استهداف عشوائي من مرتزقة إلكترونيين أو في حملات موجهة من جهات أكثر تنظيماً، ظهر منها لحد الآن مجموعات من كل من جبهة البوليساريو الإرهابية وعناصر الاستخبارات الجزائرية. أساليب الاستهداف التي تُستخدم عملياً لا تقتصر على اختراق شبكات معقدة، بل تعتمد عادةً على هندسة اجتماعية دقيقة: رسائل مُصمَّمة تصيُّدياً، ودعوات “سيرفر” مزيفة، و”بوتات” تطلب “أذونات” مفرطة، وروابط تعيد توجيه الضحية إلى تحميل برمجيات خبيثة أو تنفيذ “سكربتات” تسرق “توكنات” الجلسة.
بمعنى أن جهات مؤدلجة أو ذات إمكانات استخباراتية قادرة من الناحية العملية على استخدام هذه الأساليب بفاعلية أكبر، والتحكّم في توجيه حملات معلوماتية تضليلية. والنتيجة العملية للمستخدم العادي هي نفسها: حسابات معرضة للاختطاف، بيانات شخصية عرضة للتسريب، ومحاولات ابتزاز أو تشويه سمعة، أو عمليات توجيه ممنهجة نحو القيام بأعمال ميدانية قد تكون ذات طبيعة إجرامية وإرهابية، كما هو الحال في اليوم الثاني من الاحتجاجات، حيث انتشرت حملات مكثفة داعية لاستعمال قنابل المولوتوف مع بيانات عملية حول كيفية صنع زجاجات حارقة، ومن خلال تتبّع التعليقات على هذه الدعوات، وهي كلها بأسماء وبروفايلات مزورة، يظهر الحضور الجزائري بوضوح لدى الخبيرين بالتعبيرات المحلية، ولعل أبرز مثال هو الفيديو، الذي تناقله الشباب على هذه المنصة، وفيه أن الشباب “الزِّيديين” اخترقوا لوحة العد التنازلي لكأس أفريقيا الموجودة بساحة الأمم المتحدة بالدارالبيضاء وكتبوا عليها عبارات مسيئة مخلة بالحياء ضد عناصر الأمن كلهم، التي تنطق بالدارجة بشكل موحد أو متقارب بين المغاربة والجزائريين، مع فارق جوهري في الكتابة، إذ يكتبها المغاربة بالكاف “كاعْ” وبعضهم يكتبها هكذا “ݣاعْ”، في حين يكتبها الجزائريون، دولة ومجتمعا، بـ”القاف” (شنقريحة كمثال)، وبالتالي كُتبت الكلمة في اللوحة المخترقة هكذا “قاع” مما يكشف أن أصحاب الاختراق ليسوا “جيل Z”، كما رُوّج له في منصّتهم، وإنما من طرف عناصر استخباراتية جزائرية…
الحيطة والحذر فهناك دائما من يتربّص بك
بات “ديسكورد” اليوم أداة حيوية لجيل Z في المغرب، لأنه يقدّم فضاءً أكثر تنظيمًا وتخصصًا وحرية مقارنة بالمنصات التقليدية. ورغم أنه لم يبلغ بعد درجة الانتشار الشعبي الواسع مثل واتساب أو تيك توك، إلا أن حضوره يزداد بشكل ملحوظ في دوائر شبابية نوعية. وبالنظر إلى مميزاته، يمكن القول إن هذه المنصة قد تصبح خلال السنوات المقبلة جزءًا لا يتجزأ من المشهد الرقمي المغربي، خصوصًا إذا أحسن الشباب استثمارها في مجالات المعرفة والإبداع والتواصل البنّاء، وأن يحصّنوا أنفسهم من كلّ مداخل وتسلّلات الاختراق والتوجيه التحكّمي نحو أفعال مجرّمة قد يقع بعضها تحت طائلة قانون الإرهاب…
جريدة “Le12.ma”، ومن موقع مسؤوليتها المهنية والأخلاقية، ستعدّ لكم بعض النصائح والإرشادات لحماية أنفسكم وحساباتكم من المخترقين، الذين قد تكون بينهم جماعات معادية ذات خلفيات إجرامية و/أو إرهابية…
