العيون -محمد الركيبي
يبدو أن أصحاب رحلة “نداء المستقبل” المكوكية إلى العيون، التي حطت الرحال مؤخرا، لساعات فقط بمنزل القطب الصحراوي عبد الله الدابدا، قد عادوا من حيث أتوا، وهم يجرّون خيبة رجاء قاسية، بعدما ضاع منهم رهان ارتداء فاطمة المنصوري رئيس المجلس الوطني، “ملحفة” تأييد حاضرة الصحراء لمساعي تحكم “النداء” في التنظيم، و إرتداء وهبي، “دراعة” مباركة العيون، لمطامعه في رسم معالم الطريق نحو المؤتمر الرابع لـ”البام”..
بعد فرحتهم المشروعة بارتداء “درارع” و”ملاحف”، عناوين الزي الصحراوي، الذي نحترمه ونوقره ونفتخر به وبأهله جميعا كمغاربة.. كان وقع الصدمة عند بعضهم أقوى من المتصور في العودة من العيون دون تحقق الرهان المأمول..
ثمة أكثر من مؤشر يؤكد خيبة أمل ما يوصف بأصحاب “رحلة العيون”، حتى لا نطلق عليها توصيفا آخرَ لا تحتمله، من التوصيفات التي تطلق عادة على الأنشطة الحزبية مكتملة الأركان، لا من حيث ما لها من شروط مضبوطة لقيامها، ولا من حيث ما لها من فضاءات معروفة لاحتضانها… وخلافه.
ولما كان الأمر كذلك، والحالة هذه، فيكفي الاستدلال بلغة الأرقام على مؤشر من مؤشرات تلك الخيبة، التي لا يتحمل وزرها، والحق يقال، كبير منتخبي “هْل الدابدا” ولا ذنب له في الوقوف وراءها، طلما أن الرجل لبى كعادته وأهله، “نداء كرم الضيافة”..
كرم الضيافة هذا غيّر الغريب على “هْل لخيام لكباراتْ” من أبناء الصحراء عامة والشرفاء لعروسيين تحديدا، لم يكن ليمنع عبد الله الدابدا من طلب “التريتور” بإعداد “حتى 50 طابلة”، بدل “سبْع طبالي”، لكنّ تعداد وفد وهبي ورفقته كان أقل من المتوقع، وإن شئت قل، أقل ربما مما بَلغ إلى علم الرجل، قبل إقلاع طائرة الوفد نحو العيون…
لقد تحلق حول موائد “هْل الدابدا” الكرام، برلماني صحراوي واحد، من أصل 11 برلمانيا في الأقاليم الصحراوية، ومنتخبان جماعيان من أصل 37 مستشارا جماعيا وثلاثة أعضاء من المجلس الوطني من أصل 25 عضوا.. و الباقي من خارج أقاليم الجنوب..
خلال هذه “الوليمة”، لم يظهر جليا فقط أن 90% من الموثقة صورهم في ألبوم “رحلة العيون” المتداولة في العالم الافتراضي ينتمون إلى جهات من هناك، حيث الرباط وسوس ومراكش، وكازا.. بل ظهر هذه المرة، في العالم الواقعي، أن عبد الله الدابدا، بحكمته السياسية، لم يدع الفرصة تمر دون أن يمرر رسالة كان لوقعها على من التقطها، وقع نزول قطعة ثلج على قفا الواقف تحت شمس الصحراء في كبد النهار… إنها الصدمة..
لقد لمّح الرجل، أو هكذا كان، إلى أن الخير في الجنوح إلى الصلح.. مع ما لذلك من دلالات ومعان.. لعل من أبرزها أن “خيمة الشرفاء لعروسيين”، التي أكرمت وفادة وهبي ورفقته، ما سَجل عنها التاريخ أن كانت “إلا خيمة الخير والوحدة”…
لذلك صراحة، لا أجزم ما إذا كان عبد الله الدابدا، قبل تفجيره هذه القنبلة في وجه من يهمّهم الأمر، قد استقبل في منزله وهبي ورفقته، بصفتهم “نداء المستقبل”، وإن كان هذا الأخير يضم بعض أقاربه بين صفوفه وهذا من حقهم.. وإلا لماذا لم يُعلن صراحة دعمه المفترض لـ”النداء”، في بيان رسمي؟..
لكن ما أكاد أن أجزم به هو أن رجاء “النداء” من رحلة العيون خاب بعدما تأكد أنه كان صرحا من خيال فهوى.. صرحا وهميا وقد هوى أمام حقيقة تملك الأمين العام، دون غيره، مفاتيح التنظيم…
لقد زادت خيبات رهانات “نداء المستقبل” الخاسرة، كرهان رحلة العيون، من تقوية “الشرعية” أكثر من إضعافها..
لذلك نجد أن رحلة العيون، قد فتحت على مشروعية بسط أكثر من سؤال مشروع، وكلها أسئلة لا أظن أنها تخدم صورة “نداء المستقبل”، سواء وجدت لها أجوبة أم لا..
أول تلك الأسئلة: لماذا غاب اخشيشن وبن عزوز وغيرهما من قادة نداء المستقبل، عن ضيافة “هل الدابدا”؟..
وهل لهم موقف مْن شي جهة في العيون؟، هل تفرقت بهم السبل؟ ألم يكن حريا بهم التضحية بساعات معدودات من وقتهم الثمين للتوجه إلى العيون؟..
هل كانوا جميعا أو بعضهم على ظن بحتمية خيبة الرجاء من رحلة العيون؟..هل توجه أصحاب رحلة العيون إلى مقر الحزب في المدينة أم اعترضهم عارض؟..
وما الغاية من “دخول وخروج” أحد الضيوف في “الهضرة”، وهو ينفخ دونما سبب تفرضه اللحظة، في رماد وقيعة سياسية آلت إلى زوال بين “البام” وآل الرشيد؟..
نكتفي بإثارة هذه الحقائق والأسئلة وننهي هذه الورقة من أوراق رحلة “النداء” إلى الصحراء بالهمس، في مسمع “المِهضار” لنقول له: “يا مِهضار، لا تبحث عن مطمعك في الصحراء.. لأن مطمعك كان صرحا من خيال فهوى.. وعد إلى الخياط بجواب أصحابك، إنه لا يزال في انتظارك.!.
أقصد خياط المصالحة.. لا ذلك الذي قد يخطر ببالك..
لكنْ، قبل ذلك، هل أخبرت أصحابك بجلستك الرباطية مع الخياط، ولاّ لواه؟..
إيوا نوض على سْلامتك أسّي!
