إعداد: إلياس زهدي

حلقة 17

أمنيات عظيمة

تشارلز ديكنز (1812 -1870)

كان بيب، ذو الست سنوات، يعيش في المستنقعات الإنجليزية مع أخته وزوجها، السيد جو غارغيري. وكانت أخته متسلطة ولئيمة، كعادة كل الأخوات الكبار. وبخلافها، كان زوجها جو أفضل شخص في حياة بيب.

ذات مساء، في أعياد الميلاد، قابل بيب سجينا هاربا مخيفا في فناء الكنيسة وأجبره على سرقة الطعام من أخته وجلبه له وإلا بقر بطنه. بعد ذلك بفترة وجيزة دُعي بيب ليلعب في بيت السيدة هافيشام، السيدة غريبة الأطوار، التي تسكن في آخر الشارع. وقد كانت بالفعل غريبة الأطوار، فقصرها تغطيه الطحالب، كما أنها ما زالت ترتدي فستان الزفاف الذي ارتدت منذ عقود، عندما هجرها زوجها يوم زفافها خلال عقد قرانهما. وكان المكان كله مليئا بالحشرات، كما لو كانت تعيش في القصر الخاص بالوحش في رواية “الجميلة والوحش”.

وكانت إستيلا، الابنة المتبناة للسيدة هافيشام، الشيء الجيد الوحيدَ في القصر. كانت جميلة للغاية رغم كونها قاسية القلب ومتكبرة. ودُعِي بيب، بعد ذلك، مرارا وتكرارا، ليلعب معها فأعجب بها في البداية إعجابا عابرا. ثم تحول هذا الإعجاب العابر إلى وله ما لبث أن تحول إلى حب غامر فائض يغمره تجاهها، رغم أنه يستحيل أن يحظى بفرصة معها، إذ أنها الابنة المتبناة لأغنى سيدة في البلدة.

وبعدما بلغ بيب فترة المراهقة وصار قادرا على العمل، بدأ يتمرّن في ورشة الحدادة الخاصة بزوج أخته، بفضل تمويل السيدة هافيشام، ولكنه لم يكن متحمسا تجاه الأمر على الإطلاق، فهو لا يريد إلا أن يصبح سيدا مرموقا ويتزوج إستيلا.

وفجأة، حالفه الحظ وحصل على مال من متبرع غامض مجهول، فودع عائلته واتجه إلى لندن ليحقق حلمه في أن يصبح سيدا مرموقا. وكان الأمر لطيفا في البداية، فهو يعمل تحت إمرة السيد غاغرز، وهو من أكبر المحامين في البلدة وأكثرهم سوءا. كما حظي بصديق مقرب جديد يدعى هيربرت بوكيت، وهو ابن نسيب السيدة هافيشام.

عرّفه هيربرت على البلدة وعاشا معا حياة المدينة المزدحمة، التي شملت حفلات العشاء في القلاع ورحلات للمسرح وما إلى ذلك، ما سبب مشكلة لبيب، فهو ينفق أموالا طائلة، ما يسبب له الحرج أمام زوج أخته جو عندما يعود إلى المنزل.

في خضمّ ذلك، عادت إستيلا، التي كانت تجوب أنحاء العالم، إلى لندن وكانت أكثر جمالا من ذي قبل. وفي عيد ميلاد بيب الحادي والعشرين منحه غاغرز علاوة سنوية ضخمة تقدر بـ500 فرنك، فاستخدمها بيب ليساعد هيربرت في الحصول على وظيفة، واستمر ذلك لفترة ظلت خلالها إستيلا ترفض بيب.

وفي عيد ميلاده الثالث والعشرين، ظهر رجل غريب، كان هو المتبرع الغامض الذي منح بيب المال، واكتشف بيب أن هذا المتبرع هو السجين الهارب الذي كان قد ساعده قبل سنوات عندما كان عمره ستة أعوام.

كان الرجل يدعى أبيل ماغويتش، وقد نفته المحكمة إلى ويلز الجنوبية بأوامر صارمة تقضي ألا يعود أبدا إلى إنجلترا. واغتاظ بيب بشدة لسببين، الأول أنه اكتشف أن المتبرع الغامض لم يكن السيدة هافيشام، كما افترض، بل هذا المجرم، والسبب الثاني أنه يأوى مجرما هاربا، فقرر أن يجبر ماغويتش على مغادرة من البلد. ولكن قبل أن يفعل، اندلع حريق في منزل السيدة هافيشام لقيت فيه مصرعها وعجز بيب عن إنقاذها.

دبّر بيب خطة لإخراج ماغويتش من البلدة، لكن حدث ما أحزنه. فما كاد هو وماغويتش يستعدان لتنفيذ هروبهما الكبير حتى تزوجت إستيلا خصما لبيب. وما زاد اضطرابه ظهور متنمر ادّعى معرفته بأمر ماغويتش، فتمت الوشاية بكليهما بواسطة خصم ماغويتش، وكان ييدعى كامبيسن، واتضح بالصدفة أنه الحبيب السابق للسيدة هافيشام.

زُجّ بماغويتش في السجن ومات هناك، ولكنْ قبل موته أخبر بيب بالحقيقة الصادمة، وهي أن إستيلا ابنته. وبعد هذه الأحداث المؤلمة مرض بيب للغاية وجاء جو، زوج أخته، لمساعدته، وأخبره بأنه بعد موت السيدة هافيشام تركت معظم ثروتها لآل بوكيتس. وبمجرد تعافي بيب تركه جو في منتصف الليل بعد أن دفع بنفسه كل ديون بيب. فتبعه بيب إلى المنزل طالبا منه أن يسامحه ويغفر له إساءاته إليه في السابق.

ثم هاجر بيب إلى مصر، وهناك عمل مدة أحد عشر عاما في شركة الملاحة المملوكة لصديقه هيربرت. وظل خلال هذه الفترة يرسل المال إلى جو.

وبعد أن عاد إلى إنجلترا ذهب إلى منزل السيدة هافيشام، ليجد إستيلا تتجول وحيدة في الحديقة المهملة. واكتشف أن زوجها كان يسيء معاملتها وقد مات الآن.

تحولت قسوة وبرود إستيلا إلى لطف حزين. وغادر الاثنان الحديقة وهما يمسكان بيد بعضهما البعض، وبيب يهمس لها بأنهما لن يفترقا أبدا بعد الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *