إعداد: عبدو المراكشي
هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.
في محطتنا الليلة سنعود إلى الرياضة ولندخل مع بطل مغربي غزا، بطوله الفارع (متر و98 سنتيمترا) وبنيته الجسدية، عالَم رياضة الرّيكبي على أعلى مستوى.
بطل حكايتنا الليلة ليس إلا عبد اللطيف بنعزي، ابن الشرق الذي خطف الأنظار بين نجوم رياضة الريكبي في واحدة من أعرق المدارس في هذا النوع الرياضي. بل إن بنعزي “احتكر” شارة عمادة المنتخب الفرنسي، أحد أقوى منتخبات الريكبي في العالم.

في وجدة ولد عبد اللطيف بنعزي، في 20 غشت 1968. وفي عاصمة الشرق بدأ تحصيله العلمي والرياضي. ولعب تفوقه الجسدي وطول قامته دورا في اختياره واحدة من الرياضات التي تعتمد كثيرا على القوة الجسدية والاندفاع البدني، وكان اختياره موفقا، إذ صار بنعزي عميدا لمنتخب “الديكة”.
يعدّ الوجدي عبد اللطيف بنعزي واحدا من أشهر الشخصيات الرياضية في فرنسا وأحد أكبر لاعبي الريكبي على الصعيد العالمي، شهرة اكتسبها بفضل لعبه سنوات طويلة للمنتخب الفرنسي.

قبل ذلك، تلقى عبد اللطيف بنعزي الأصول الأولى لرياضة الريكبي في وجدة وبالضبط في نادي “الاتحاد الرياضي الوجدي”، أحد أعرق أندية الريكبي في المغرب والأكثر تتويجا بمنافسات البطولة الوطنية وكأس العرش.
قبل أن تقرر أسرته الانتقال للعيش في فرنسا، قضى عبد اللطيف بنعزي 15 عاما الأولى من حياته بين دروب مدينة وجدة وشوارعها.

بدأت تجربة بنعزي الاحترافية في رياضة الريكبي قبل أن يكمل التاسعة عشرة. حدث ذلك بعدما انتقل إلى فريق “كاهور”، إذ سرعان ما رصدته أعين المتتبعين ومدرّبي الريكبي.
انتقل بنعزي إلى واحد من أعرق أندية الريكبي في فرنسا، وهو فريق أوجين، الذي سيقضي فيه البطل المغربي 12 سنة، سطع خلالها اسمه “بطلا” بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وهكذا صار بنعزي، في وقت وجيز، أحد أشهر لاعبي الريكبي في تاريخ فرنسا وحمل شارة عمادة منتخبها الأول مدّة طويلة.

توج ابن الشرق رفقة “منتخب الديكة” بكأس أمم أوربا في 1997، وقاد المنتخب الفرنسي في ثلاثة كؤوس للعالم سنوات 1991 و1995 و1999. وحمل بنعزي ألوان المنتخب الفرنسي في 78 مباراة دولية.
ولم تُنس الإنجازات التي حققها عبد اللطيف بنعزي رفقة المنتخب الفرنسي في وطنه الأم، الذي ترعرع فيه. ومباشرة بعد اعتزاله قرر العودة لوضع تجربته في الريكبي رهن إشارة أبناء منطقته وفريقه الأول الاتحاد الرياضي الوجدي.
أصدر عبد اللطيف بنعزيزي كتابا تناول فيه تجربته الاحترافية والاجتماعية سماه “حياة من تجربة”. وخصص بنعزي كتابه لعرض جميع الرحلات والتجارب التي خاض طيلة 13 من الممارسة الرياضية، ضمنها 11 سنة رفقة المنتخب الفرنسي. وتطرّق لبنعزي تجربة مهاجر مغربي ارتمى بين أحضان رياضة الريكبي لتصنع منه نموذجا للرياضي الناجح. وما ميز الكتاب أيضا أن مقدمته كتبها نيلسون مانديلا، المناضل والأب الروحي للجنوب إفريقيين، ما قاده إلى نيل الكثير من التقدير والاحترام. وحصل بنعزي على وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي من درجة ضابط.

وكتب حسن البصري أن الحسن الثاني اعتبر عبد اللطيف بنعزي “نموذجا ناجحا لاندماج المهاجر المغربي”. وفي أغلب الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس إلى مدينة وجدة، وخلال تدشينه مشاريع تنموية في العاصمة الشرقية، لوحظ حضور عبد اللطيف بنعزي، ابن المدينة والعميد السابق للمنتخب الفرنسي للريكبي، خاصة حين يتعلق الأمر بمشروع رياضي، كما هو الحال حين أشرف الملك محمد السادس على تدشين الملعب البلدي للريكبي. بل إن بنعزي ساهم ماديا في إنجاز هذا المشروع، ما أثلج صدر الملك واعتبره نموذجا للمغترب الذي يضع تنمية بلده ضمن أولوياته.

وتابع البصري أن بنعزي ظهر في لائحة المساهمين من خلال ضخه مبلغ 800 ألف درهم في المشروع، كيف لا وهو البطل الذي ولد في ذكرى ثورة الملك والشعب، 20 غشت وأصبح من أشهر الشخصيات الرياضية في فرنسا وأحد أكبر لاعبي الريكبي على الصعيد العالمي، بعد أن هاجرت أسرته للاستقرار في فرنسا وهو حينها يافع بعد أن خاض تجربة قصيرة حارس مرمى، ثم تُوج بطلا في رياضة ألعاب القوى، في تخصص رمي القرص.
وأضاف الصحافي الرياضي أن سفارة المغرب في باريس تحرص على وجود عبد اللطيف ضمن الشخصيات التي تحظى بملاقاة ملك البلاد الحسن الثاني، وبعده محمد السادس، كلما قادتهما الظروف إلى فرنسا، إذ إن صداقة بنعزي وقربه من القصر جعلاه فاعلا في المجال الرياضي من خلال مشاريع من شأنها أن تربط المغترب المغربي ببلده”.

وقد هنأ الملك محمد السادس، حسب المصدر نفسه، عبد اللطيف بنعزي على المكانة التي صار يحظى بها في النسيج الاجتماعي الفرنسي ووصفه بالقدوة المغربية في الإدماج عبر الرياضة ولعبة الريكبي.
وعندما اعتلى الملك محمد السادس سدة الحكم، اهتمّ أكثر بمغاربة العالمة، خاصة أولئك الذين يحنّون إلى الوطن ويسعون إلى الاستثمار فيه، رياضيا واجتماعيا. وفي هذا السياق، فاجأ بنعزي بحسب المصدر ذاته، القائمين على المشاريع التنموية في وجدة بإسهاماته المالية وبجلبه عددا من الشركاء الأجانب من أجل إسهام فعلي في التنمية المحلية.
