شهدت الأيام الأخيرة تحولاً جوياً لافتاً في عدد من مناطق المملكة، حيث اجتاحت موجة استثنائية من التساقطات الثلجية الغزيرة عدداً من السلاسل الجبلية، لتعيد إلى الأذهان قسوة وجمالية “شتاء الأطلس” العريق.
هذه الاضطرابات الجوية المفاجئة، التي ما زالت مستمرة على المرتفعات، لم تقتصر على كونها ظاهرة طقسية، بل تحولت إلى حدث بيئي واجتماعي يحمل معه تحديات وفرصاً على حد سواء.

لوحات فنية في قلب الأطلس
المناطق الجبلية استيقظت على حلة بيضاء سميكة غيرت ملامح الطبيعة في غضون ساعات قليلة. أبرز هذه المشاهد كانت في غابة ميشليفن بإقليم إفران، حيث اكتست الأشجار والتلال بطبقات كثيفة من الثلوج، ما حوّل المنطقة إلى لوحة طبيعية أخاذة، وكان هذا بمثابة إيذان بعودة برد الشتاء بقوة.
كما سجلت منطقة إملشيل بإقليم ميدلت بدورها تساقطات ثلجية كبيرة غطّت المساحات الواسعة بطبقة ناعمة من البياض.
المشهد نفسه تكرر في مرتفعات بويبلان بالأطلس المتوسط، حيث استقرت الثلوج بكثافة على القمم، وفي قّمم جبل تدغين بالحسيمة التي لبست معطفاً ثلجياً سميكاً بفعل المنخفض الجوي العابر.
وفي إقليم الحوز، استقبلت منطقة إمليل موجة ثلجية معتبرة غطّت قممها، مضفية عليها طابعاً طبيعياً مميزاً.

السياحة تنتعش.. والموارد المائية تتنفس
لم تقتصر تداعيات هذه التساقطات على التغير البيئي، بل امتدت لتلامس جانباً حيوياً، وهو السياحة.
ففي الأطلس المتوسط، وخاصةً في غابة ميشليفن، نشطت الحركة السياحية بشكل ملحوظ، وتوافد العديد من الزوار من داخل وخارج المنطقة، مدفوعين بالرغبة في الاستمتاع بجمالية المشهد الأبيض والتقاط الصور التذكارية لهذه اللحظات الاستثنائية.
ورغم ما تسببه هذه الظروف أحياناً من صعوبات لسكان المناطق الجبلية (صعوبة التنقل وتأمين المستلزمات)، ينظر كثيرون إلى هذه التساقطات بارتياح كبير.
وتعود أسباب هذا الارتياح إلى الفوائد الفلاحية والبيئية الجمة التي تحملها الثلوج، وعلى رأسها دعم الموارد المائية وحقن الفرشة المائية استعداداً للموسم الفلاحي.

تحديات وقسوة “شتاء الأطلس”
على الرغم من المشاهد الجمالية والمنافع البيئية، تظل هذه الظروف الجوية القاسية تذكيراً بالتحديات التي يواجهها سكان الجبال.
فصعوبة المسالك الجبلية في ظل تراكم الثلوج، والحاجة إلى دعم ومواكبة الأسر القاطنة في المناطق المعزولة، هي قضايا تتطلب استمرار جهود السلطات المحلية والمجتمع المدني لضمان سلامة ورفاهية المتضررين.
وتبقى عودة الثلوج إلى القمم المغربية حدثاً سنوياً مهماً، يُعيد للمغرب توازنه البيئي، ويُبقي الأمل معقوداً على موسم فلاحي جيد، مع تنشيط للسياحة الجبلية التي تستمد جاذبيتها من هذا “البياض الساحر”.
إدريس لكبيش/ Le12.ma
