قبل أيام من انطلاق الدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة للإنتربول بمراكش، جاء حدث دال ومحمل بالرمزية.. وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، يوشح المدير العام للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، بأرفع وسام يمنحه الحرس المدني الإسباني للشخصيات الأجنبية، وهو “وسام الصليب الأكبر للاستحقاق”.
حدث في ظاهره بروتوكولي، لكنه في جوهره إشارة دبلوماسية رفيعة تختزل حجم الثقة التي باتت تحظى بها المؤسسة الأمنية المغربية لدى شركائها الأوروبيين.
فالحرس المدني الإسباني، المعروف بتحفظه الشديد في منح هذا النوع من التوشيحات، لا يكرم إلا من أثبت مساهمة فعلية في تحييد التهديدات العابرة للحدود، خصوصا في قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة.
ومن ثم، فإن تكريم عبد اللطيف حموشي هو تكريم لرؤية أمنية مغربية استطاعت أن تمزج بين الصرامة والفعالية، وبين احترام القانون والانفتاح على التعاون الدولي.
غير أن دلالات هذا التوشيح لا تقف عند حدود الشخص، بل تمتد إلى المؤسسة التي يمثلها، وإلى المدرسة التي شيدها الرجل خلال عقدين من الزمن.
فمن خلال إصلاحات بنيوية عميقة مست المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني، أرسى عبد اللطيف حموشي ما يمكن تسميته بـ “المدرسة المغربية للأمن الحديث”.. مدرسة تقوم على اليقظة الاستباقية، والذكاء المؤسساتي، والحضور الفعال في المبادرات الدولية.
وهذه المدرسة لم تعد محصورة في إنتاج سياسات أمنية داخلية فحسب، بل أصبحت تصدر نموذجا يستلهم في الفضاءين العربي والإفريقي وحتى الأوروبي.
فالمغرب لم يعد متلقيا للتعاون الأمني، بل أصبح فاعلا مؤثرا في صياغة معادلات الاستقرار الإقليمي، وهو ما يجعل من كل وسام يمنح لحموشي بمثابة إشادة ببلد بات مرجعا في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود.
ومن هذا المنظور، فإن الوسام الإسباني ليس حدثا معزولا، بل حلقة ضمن سلسلة من الاعترافات الدولية التي راكمها الرجل.
فقد سبق أن وشحته فرنسا بوسام جوقة الشرف وميدالية الشرف الذهبية للشرطة الفرنسية، كما منحه مجلس وزراء الداخلية العرب وسام الأمير نايف للأمن العربي.
وهذه التتويجات، وغيرها، تؤكد أن الاعتراف الدولي بالمقاربة الأمنية المغربية تحول من استثناء إلى قاعدة، وأن هذه المقاربة باتت تحظى بمكانة خاصة في المنتديات الأمنية الإقليمية والدولية.
ولعل هذا الرصيد المتنامي من الثقة الدولية يفسر دلالات التوقيت، فالتوشيح الإسباني يأتي على بعد أيام من احتضان مراكش لأشغال الجمعية العامة للإنتربول، أكبر محفل أمني عالمي.
وكأن في التوقيت رمزية مضاعفة.. فإسبانيا، الشريك الأول للمغرب في مواجهة التهديدات المشتركة، تبعث برسالة تقدير قبيل لحظة تتجه فيها أنظار العالم إلى المملكة كمنصة للحوار والتنسيق الأمني الدولي.
وهنا تتقاطع الرمزية السياسية مع الدلالة الأمنية.. فالمغرب اليوم ليس مجرد مضيف لاجتماع عالمي، بل أحد أعمدته الأساسية، بما راكمه من خبرة ومصداقية وشبكة تعاون واسعة تمتد من إفريقيا إلى أوروبا.
وهكذا، فإن توشيح عبد اللطيف حموشي بالصليب الأكبر للاستحقاق للحرس المدني الإسباني، ليس مجرد لحظة تكريم شخصي، بل شهادة دولية في حق مؤسسة أمنية مغربية أثبتت قدرتها على حماية الأمن الوطني والمساهمة في استقرار المنطقة.
وبين وسام يعلق على الصدر وحدث عالمي تحتضنه مراكش، تتجلى ملامح رؤية مغربية للأمن، أضحت اليوم نموذجا يحتذى ومؤشرا على أن المغرب لم يعد فاعلا إقليميا فقط، بل رقما ثابتا في معادلة الأمن العالمي.
عادل الشاوي / Le12.ma
