*طلحة جبريل

إذا كانت الصحافة تنشر الوعي، أو هكذا يفترض، هل هناك الآن من يهتم.

أقول مطمئناً تماماً لما أقول إن عدم التزام المحررين بقواعد المهنة، يؤدي إلى اختلاط الأمور إلى حد أن الكتابة نفسها تصبح بلا ضوابط.

يتصاعد الجدل حول مصير “الصحافة الورقية” بعد تطور وسائل “الإعلام الجديد”، الذي عماده الشبكات الاجتماعية، وأقطابها الخمسة “فيسبوك” و”تويتر” و “لينكد إن” و”انستغرام” و”محرك غوغل”.

كنت قد قرأت تشبيها يقول إن “الصحيفة” تماثل أكلة في مطعم تقليدي باذخ يأتي النادل للزبون بقائمة الأكلات المتوفرة يختار منها واحدة يأكلها ثم يسدد ثمنها وينصرف، ثم جاء الآن من يقترح على الزبون نفسه “بوفيه مفتوح” فيه أطعمة من جميع الأصناف يمكنه أن يختار منها ما يريد، وكل ذلك مجاناً.مقارنة طريفة ولا شك، لكنها لا تعدو أن تكون مقارنة سطحية ساذجة.

في ظني أن الشبكات الاجتماعية والمواقع الإلكترونية، تقدم وجبات سريعة (fast food) وهي أكلات لها أضرار لا تحصى.

هذا يعود بنا إلى موجة سادت قبل عقود طويلة، ضد التقارير الإخبارية المطولة. كان صاحب تلك الفكرة الصحافي البريطاني “الفريد هارمز وورث” صاحب صحيفة “ديلي ميل” الذي دعا إلى “صحافة ساندوتش” وقال إن كلمات أي تقرير يجب ألا يتعدى 250 كلمة، وجرب هذه الفكرة في “ديلي ميل” متأثرا في ذلك بفكرة “الساندوتش” التي بدأت في بريطانيا ثم تطورت في أميركا مثل “هوت دوغ” و”كنتاكي شيكن” و”هامبرغر” و”ماكدونالدز” و كان رأي “هارموز وورث” أن هذا الاختيار يتماشى مع إيقاع العصر ورائحته ومذاقه.

ومن هذه الفكرة انطلقت “مدرسة كولومبيا”.التي قالت إن الصحافة هي الإثارة. هؤلاء الذين يتحدثون الآن عن ريادة شبكات “التواصل الاجتماعي” في نقل الأخبار، ينطلقون من تصور مماثل. يقولون مثلا إن شبكة “تويتر” أصبحت أهم منصة تواصل.

إنهم ينطلقون من فكرة “هارموز وورث”،أي اختزال الأخبار إلى أقصى حد.

عندما يتحدثون عن “تغريدات تويتر” باعتبارها أهم وسائل التواصل، يريدون منا أن نختصر الأخبار ،بعد أن رفع “تويتر” الحدّ الأقصى للحروف في التغريدة الواحدة إلى 280 حرفاً، وهي عدد الأحرف التي يتيحها لنا لكتابة ما يجول في أذهاننا من “تغريدات”.

يفترض في الصحافة أن تعتمد قبل كل شيء على تقديم وجبة دسمة ومتوازنة اعتماداً على الأجناس الصحافية التي تحتاج جهدا ميدانياً، مثل التحقيق، والاستطلاع، والحوار، والبورتريه، والقصة الملونة.يضاف إلى كل ذلك اعتماد “الصحافة الاستقصائية”. 

تأملوا كيف صمدت الصحافة في أميركا ودول إسكندنافية. تحتاج الصحافة أياً كانت إلى سقف حرية مرتفع . هذا هو عمق المسألة.

كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *