*كريم شوكري

 لسنا بحاجة إلى مقاربة استثنائية كي تقتنع بأن مدينة القنيطرة فقدت على مدار السنين الأخيرة ما تبقى من احتياطي عنفوانها الرياضي بعد أن تعطلت لديها محركات صناعة التميز و النجومية لتصبح بمثابة بيئة حاضنة لكل مظاهر الأفول الرياضي.

كما لسنا بحاجة إلى استنطاق الذاكرة الرياضية مجددا لعاصمة الغرب كي نكتشف بأن أسطورة المسافات الطويلة و المتوسطة سعيد عويطة كان قد وقع على شهادة إقلاعه من داخل مضامير النادي القنيطري لألعاب القوى قبل أن تقذف بهذا الأخير الخضات و الأزمات إلى مستودع المتلاشيات الرياضية الوطنية و ذلك أسوة بباقي الأصناف الرياضية مثل الكاك لكرة الطائرة الذي جرفته سيول المشاكل إلى قعر القسم الوطني الثالث بعد أن مارس لسنوات بالقسم الممتاز، ثم لعبة كرة اليد التي تعتصر راهنا علقم المعاناة بالقسم الوطني الثاني رغم مراكمة النادي القنيطري لإنجازات جعلته أول فريق مغربي يشارك في الاستحقاقات العربية بعد إحرازه على ذرع البطولة الوطنية.

 لنعرج في السياق ذاته على النادي القنيطري لكرة السلة الذي استقر به هو الآخر قطار الأزمة بالقسم الثاني بعد ثلاث عقود من التباري بين أندية الصفوة تمخض عنه تتويجا تاريخيا بالكأس الفضية في ثمانينيات القرن الماضي فضلا عن قاماته رياضية التي عززت المنتخب الوطني، دون استثناء لعبة كرة القدم باعتبارها قاطرة الرياضة الغرباوية من هذا المشهد الحالك بعد اندحار فريق النهضة القنيطرية  قبل أن تصل عدوى التقهقر إلى فريق مرجعي إسمه النادي القنيطري لكرة القدم الذي لا زال يواصل تقدمه إلى الخلف بحكم معاناته المتواصلة بين أنفاق القسم الثاني ، إلى غير ذلك من أمثلة الإفلاس الرياضي لمدينة لم تعد تعد تتنفس سوى نسائم الماضي الجميل.

من نافلة القول، وحتى لا ننساق خلف مأتم التباكي على اندثار معالم الزمن الرياضي الجميل، يجدر بنا تحسيس الفاعلين الرياضيين بأن إدارة الأزمات لا تستقيم عبر التجييش و الضجيج و التخوين و التسفيه مع ما يرافق ذلك من نزوات قطيعية و غوغائية غير قادرة على افتضاض بكارة المشاريع الرائدة و المجدية التي تقتضي مأسسة النقاش و كذا طرق أبواب الكفاءات التي تفيض بها المدينة و الجهة. 

لقد اصبحت الحاجة ماسة إلى تحوير بوصلة الوضع الحالي المثخن بالثرثرة لتصويبها تجاه بيئة النقاش العلمي الرصين التي يمكن توطينها في إطار مناظرة محلية نموذجية حول الرياضة يقودها مجلس رياضي محلي وقوده الكفاءات العلمية و الدعم المؤسساتي بدءا بولاية الجهة و عمالة الإقليم ثم مديرية قطاع الشباب و الرياضة مرورا بالجماعات الترابية من مجلس جماعي و إقليمي و جهوي مع إشراك هيئات البحث الرياضي العلمي الوطني كقوة اقتراحية موضوعاتية فضلا عن ممثلي الأندية و المجتمع المدني..وحدها في اعتقادنا هذه الوصفة كفيلة بالتقليص من ذبذبات الخطب الجوفاء الرديفة لطقوس المقامات الشعرية في العهد العباسي التي يتحكم في تحديد مضامينها و إيقاعاتها الصاخبة أصحاب النفوذ المالي و السياسي.

لم يعد الواقع الرياضي لمدينة القنيطرة يطيق استهلاك خطاب مثقل بشذرات الحقد و الكراهية الذي تلفظه يوميا بعض المقاهي و “مجاري” التواصل الاجتماعي، كما لم يعد يتسع لنماذج نشاز تؤثث مجالس المحبين و شبكة منخرطي الأندية، بقدر ما يستدعي استنفار العقلاء و استمالة الحكماء الذين يمتلكون سلطة علمية و معرفية من شأنها رد الاعتبار لثقافة المشروع بعيدا عن أي إسهال خطابي يقفز بنا إلى استحضار توصية الفيلسوف اليوناني فيتاغورس حينما قال: “لا تقل القليل بكلمات كثيرة و لكن قل الكثير بكلمات قليلة”.

#صحفي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *