تخوض الآلة الإعلامية للإسلاميين، مدعومة بقناتي الجزيرة وتلفزيون العربي، حملة واسعة لتلميع صورة الرئيس الشرع، وتقديمه بوصفه نموذجًا للقائد العصري: الوسيم، الأنيق، والمحبوب.

هذه الحملة لا تبدو عفوية أو سطحية، بل تقوم على ما يُعرف في علم الاتصال بنظرية “صياغة الأطر”، التي تفترض أن الإعلام لا يغيّر الحقائق ذاتها، بل يقدّمها ضمن إطار محدّد يجعل الجمهور يراها بطريقة معيّنة.

بمعنى آخر، لا يقول الإعلام للناس بماذا يفكّرون، بل فيما يجب أن يفكّروا.

من خلال انتقاء كلمات إيجابية، وصور مدروسة، وسياقاتٍ عاطفية محسوبة، يستطيع الإعلام أن يُبرز الجوانب المشرقة في أي شخصية، ويُقلّل من شأن الجوانب المظلمة فيها.

فقد يُقدَّم شخص ذو ماض مثير للجدل، أو سجلٍّ مليءٍ بالاتهامات، على أنه إنسان تغيّر وبدأ صفحة جديدة؛ ليُصبح “الزعيم المتسامح”، بدلًا من أن يُوصف بالمستبد أو المجرم والقاتل السابق.

في حالة الرئيس الشرع، تدور معظم التغطيات الإعلامية حول صورته الشخصية: وسامته، طلّته الأنيقة، وابتسامته التي توصف بالهادئة، فيما يُغضّ الطرف عن ماضيه السياسي والعسكري المليء بالتساؤلات والملفات المثيرة للجدل. يمكن لأي متابع أن يلحظ كيف يركّز الإعلام الرسمي السوري وحلفاؤه على الجوانب الجمالية والعاطفية أكثر من السياسية والفكرية، مستخدمين لغة المشاعر بدلًا من لغة التحليل والموضوعية، في محاولة لصناعة انطباع جديد عن الرئيس الإسلامي والمسلم الوسيم.

بهذا التركيز المدروس على الشكل والمظهر، يُعاد ترتيب الأولويات الإدراكية لدى الناس المساكين المطحونين بالفقر والفوضى السياسية والامنية والاقتصادية. فالإعلام في حالة الرئيس الوسيم لا يُنكر الحقائق، لكنه يُعيد صياغتها بحيث تغدو الوسامة أهمّ من الكفاءة، والابتسامة أبلغ من السياسات، والمظهر أصدق من المواقف.

هكذا، تُصبح الصورة أقوى من السيرة الذاتية والعامة في الماضي والحاضر، والانطباع المترسخ بأن الله جميل ويحب الجمال أقوى من الحقيقة والواقع.

وبينما ينشغل الناس بالإعجاب بالرئيس الوسيم، يختفي خلف الصورة المصقولة تاريخ طويل من الأسئلة التي لم تُطرح بعد، وربما لن تُطرح أبدًا… حتى يرحل كما رحل غيره من الرؤساء العرب، تاركًا وراءه شعبًا مأخوذًا بالبريق والمظهر، لا بالحقيقة كما هي في الواقع.

* فيصل الدودحي /كاتب يمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *