خروج الوزير التهراوي في القناة الثانية كشف عن أمرين أساسيين.

أولهما أن الحكومة، في ما يتعلق بالقطاع الصحي، أطلقت مجموعة من المشاريع الحيوية على مستوى البنية التحتية والموارد البشرية، غير أن هذه المشاريع ما تزال في طور التنفيذ وتحتاج إلى بعض الوقت كي تترجم إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن المغربي في حياته اليومية.

غير أن الإشكال الأبرز يتمثل في عدم وصول المعلومة المتعلقة بهذه الأوراش الكبرى إلى المواطنين بالقدر الكافي ولا بالصيغة التي تبرز حجم المجهود المبذول فيها.

أما الأمر الثاني، فيتجسد في حالة الإجماع الواسع التي رافقت ظهور الوزير التهراوي، حيث أبانت عن ثقة متزايدة في كفاءة بعض وزراء الحكومة وقدرتهم على تدبير القطاعات ذات الأولوية بروح المسؤولية والنجاعة.

وهو ما انعكس بوضوح في موجة الإعجاب التي عبر عنها المغاربة عبر منصات التواصل الاجتماعي عقب اللقاء التلفزيوني، باعتباره نموذجًا للتواصل الحكومي الفعّال والمقنع.

في نقاش الصحة لا بد من الإشارة الى معطى زمني مهم للغاية. فمنذ سنة 1998، تعاقبت على تدبير القطاع الصحي في المغرب قوى سياسية متعددة، عكست في مجملها تحولات المشهد الحكومي وتنوع المقاربات المعتمدة في إدارة هذا القطاع الحيوي.

فقد تولى حزب الاستقلال المسؤولية لمدة ست سنوات وعشرة أشهر، تلاه حزب التقدم والاشتراكية الذي أشرف على الوزارة ست سنوات وتسعة أشهر.

ثم جاء دور حزب الأصالة والمعاصرة الذي قاد القطاع لأربع سنوات وعشرة أشهر، وبعده تولى التكنوقراط المسؤولية لخمس سنوات. وأخيرًا، انتقل الإشراف على القطاع إلى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي لم يمضِ على تحمّله المسؤولية سوى أحد عشر شهرًا.

لنعد الآن للمشهد الراهن. لعل هذا التعبير الشعبي يختزل، وبشكل قوي، بنية التفكير وعقلية بعض السياسيين الذين لا يريدون الإصغاء إلا لأصواتهم، والذين يسعون إلى توجيه الرأي العام عبر ممارسة التعتيم وترويج خطاب شعبوي مُغلَّظ.

فهم يعيدون إنتاج نفس المطالب التي كانت ولا تزال محور نضالات الشعب بكل فئاته الاجتماعية، لكنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت الحق، حاجبين الرؤية عمّا يُنجَز من مشاريع مهمة، سواء في مجالات الصحة أو التعليم أو الاستثمار.

إنهم يتسابقون لتبني خطاب عدمي، مركزين اهتمامهم ـ ومن خلالهم اهتمام شريحة واسعة من أبناء هذا الوطن ـ على النصف الفارغ من الكأس.

هذا لا يعني أننا ننكر حجم الخصاص والمشاكل التي تعيشها العديد من القطاعات (الصحة، التعليم، السكن، الشغل، الاستثمار، الفلاحة، الثقافة…).

ولا أحد ينكر أن هذه قطاعات حكومية يتحمل وزراؤها مسؤولية مباشرة في تدبيرها.

لكن ما لا يُفهم هو إصرار البعض على غض الطرف عن لغة الأرقام التي تكشف بوضوح حجم المجهودات المبذولة، والتي أفضت، في ظرف وجيز، إلى تحقيق قفزات نوعية خاصة في ما يتعلق بالدعم الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، والزيادة في الأجور… إلخ.

إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، ومن المؤكد أن مطالب اليوم ليست هي نفسها مطالب الأمس.

غير أن الذين يمارسون سياسة التعتيم وفوضى التحليل، ويسعون إلى تقزيم ما أنجزته هذه الحكومة في ظرف أربع سنوات ـ بما في ذلك إصلاح ما أفسدته سياسات سابقة ـ إنما هم أشخاص يتصارعون على المواقع، مستغلين مطالب قديمة وكأنها وليدة هذه المرحلة فقط.

فالمنظومة التربوية والمنظومة الصحية هما نتاج تراكم إخفاقات متعددة في الإصلاحات السابقة، التي كانت رهينة حسابات سياسوية ضيقة لبعض الأحزاب التي دبرت هذه القطاعات في الماضي. وحتى حين ظهرت إرادات جادة لتصحيح الوضع وتصويبه، كانت تُقابَل بمقاومة عنيفة.

إن ما يحدث اليوم من حركات احتجاجية يفرض علينا طرح علامات استفهام، ليس حول مشروعية المطالب ـ فهي في الأصل مطالب عادلة ـ ولكن حول آليات تدبيرها وتصريفها. وهذا ما يجعلنا نعيش قلق السؤال حول واقع الممارسة السياسية، وحول أزمة الثقة التي ساهم بعض السياسيين في تعميقها، حتى باتت شبه منعدمة بين المواطن ومؤسساته الدستورية.

* سعيد أيت باجا-فنان مغربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *