Le12.ma- رشيد الزبوري
وسط الوضعية الحالية، التي تعيشها بلادنا، كباقي بلدان العالم، إثر تفشي فيروس كورونا، وواجب الاحتياطات الاحترازية، التي فرضتها السلطات، وخاصة الححز الصحي، تغيب مهن تقليدية، كانت على مدى الزمان، مظهرا من مظاهر العادات والتقاليد المغربية.
تعتبر حرف الطبال” و”النفار” و”الغياط” من بين المهن الموسمية التي تختفي من المشهد الرمضاني بأغلب المدن المغربية، هذه السنة، بعد أن ارتبطت لعقود بليالي رمضان، و ملتصقة بإيقاظ النيام لتناول وجبة السحور.
ومن مظاهر هذا الإرث ببلادنا، “النفار”، الذي يحمل آلة النفخ النحاسية الطويلة، التي تظهر مع بزوغ هلال رمضان، يقوم بوظيفة بإيقاظ الصائمين وقت السحور، من أعلى المآذن أو بتجواله بين الأحياء، طيلة شهر رمضان، إلى الإعلان برؤية هلال العيد، حيث يقوم بجولة أخيرة صباح العيد لجمع “الفطرة” زكاة الفطر، ومن هنا كان المثل الشعبي:
“قالو آش كان باك، قال: نفار. قالو: الحمد لله رمضان تقاضى”.

نفس الدور، كان يقوم به كل من “الطبال” والغياط”، وهي مكونات تقليدية متداخلة، ساهمت في إغناء الثراث المغربي الأصيل.
وقد ينتظر الناس، مساء ليلة حلول شهر رمضان مرور ذلك الرجل صاحب الجلباب التقليدي والطاقية أو الطربوش الأحمر المغربي، وهو يمر بين دروب الأحياء القديمة ينفخ في صُورٍ طويل مصنوع من النحاس، شأنه شأن “الطبال والغياط”، مع اختلاف الآلات الموسيقية المستعملة.
كان مل واحد، يوجه فوهة آلته إلى النوافذ والأبواب، ووراءه الأطفال ،فرحين بقدوم الشهر الفضيل، والكل يستمتع بفرجة الاستعداد لشهر الغفران التي يُنشطها الثلاثي، يرسلون نفخات ضربات بلمسة موسيقية إبداعية تمتح مادتها من الأذكار الربانية والصلاة على سيد البرية محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا في الليل، أما في سائر الأيام، عند النهار، كان هؤلاء الثلاثة، يتلون بعد الدعوات من الذكر والأناشيد الدينية، بينما الأطفال يتنغمون بتحريك رؤوسهم ويصفقون والبنات يهللن “الصلاة والسلام عليك يارسول الله . الله مع الجاه العالي”، والجميع في نشاط وحيوية إعلاناً بتباشير حلول رمضان، أو احتفالاً باختتامه وحلول العيد، تخلق جمالية ثقافية وفنية، تعبر عن عمق فني جميل ضارباً بجذوره في أعماق التراث الشعبي المغربي الأصيل.
وكانت تتطلب هذه المهمة قدرة جسدية و مشقة الطواف عبر الأحياء والأزقة، وأن يكون للطبال والغياط حافظا لذكر الله والأناشيد الدينية، فيما كان يحمل النفار، فقط آلته النحاسية.
واليوم، وخلال الحجز الصحي، لم يعد للنفار والطبال والغياط وجود، ليفسح المجال أمام وسائل أخرى أكثر دقة وقرب يعتمد عليها الصائمون للاستيقاظ لتناول وجبة السحور، في هذا الظرف العصيب التي تمر بها البلاد والعباد.
نعيش رمضان هذه السنة، حالة استثنائية، لا تعرف دق الأبواب ولا سماع نقر الطبول، أو ضرب النقير، رغم أن المغاربة ما زالوا يتمسكون بهذه العادات في هذه الأيام الرمضانية.
و بذلك تكون” كورونا” قد أوقفت عمل الطبال، الذي يقرع الطبل لإيقاظ النائمين، و النفار الذي يحمل مزمارا طويلا على الأرجح يتجاوز طوله مترا، و الغياط الذي يستعمل مزمارا من الحجم الصغير، لنفتقد البهجة والسرور، بسماع نبرات هذه الآلات الموسيقية، لتذكرنا بأيام الزمن الجميل.
وحتى لا يضيع الأمل، تبقى طلقات المدافع تسمع من أعلى أبراج المدن المغربية، لتنبيه الصائمين بموعد الفطور والسحور، وتجعلنا نعيش على أمل بقاء هذا الموروث، إلى حين رحيل الفيروس، وعودة نشاط كل من النفار والطبال والغياط.
