عبد الرزاق بوتمُزّار
اليـوم الـ20
-ما تْمشي غيرْ فينْ مّا مشّاك اللهْ.. صافي، اعتذرْ لخاكْ، وْخليوْها لمرّة أخرى..
قال، وهو يسير إلى جانبي، مُحاولاً تهدئتي، في جو المدينة القائظ.. تلعب صُدَف غبية (أم تُراها ترتيباتٌ أخرى لا دخْل للصّدفـة في حساباتها؟) أدواراً رئيسية في حـواتِنا، وإنْ لمْ نرسُم لها حضورا في برامجـنا ومخططاتنا اليومية.
تُدخل البطاقة في جوف الآلة الخرساء وتنقر بعض أرقام. يطلع الرّقمُ الآخر المُنتَظر (عُمَر هُنا). كـُلّ شيء عـلى مـا يُرام، إذن. تقول لكَ، وأنتَ تهرول صعوداً نحو البناية الأنيقة..
تستحثّ الخطى نحو مكتبك، وما ينتظر في المكتب كثيرٌ، والشّهرُ صيام.. فوق هـذا، لا عصيرَ ولا بُـنّ الصّباح. لا دخّانَ ولا رائحة لأيّ شيء في المكان. (حيـن أنتهي سأسحـب ما يكفي الرّحلة).
الثـالثـة ودقائق. رتـّبتما أمورَكما على أساس أن تستقلا قطار الرّابعة نحو العاصمة. تنزل لانتظاره. تستغلّ الدقائق المُتـبقية لوصوله وتسير في اتجاه الشّباك الأوتوماتيكيّ (أو ما يُفترَض أنه كذلك). تُدخل البطاقة في السّاحب الآليّ. تنقر بعضَ أرقـام. تلفظ الآلة اللعينة البطاقة وتقذف في وجهك برسالة غير قابلة للنقاش:
مؤسـف، لا نستطيع تلبية طلبك الآن!..
تضحَـك للنكتـة وتبلغه بجـديد الوضع، عبْر رسالة قصيرة. بَعد لحظات حضَر. تتبادلان تعليقات وضحكات مُقتضَبة على الموقفِ، وأنتما “تخمّمان” في حلّ بديل. ستعود إلى الغرفة وتُحضر بطاقتك البنكية الأخرى. تقطعان الشّارع، مُجدّدا، نحو إلى الآلات الغبية المُصطفّة في شارع الجيش الملكي. تزرع البطاقـة. يطلع رقم هزيل. تستعيذ بالله، وأنتَ لا تدري أتضحكُ أمْ تكسّر الآلة الغبية..
وللمرّة الثانية يجذبُك نحوه:
-أودّي بْرّدْ.. أشْ وْقـْع كَاعْ؟ راهْ هادشّي مْوالفيناهْ..
-راهْ حيتْ مـْوالفيناهْ داكـْشّي عْلاشْ حتى هو مْـواليفْنا..
في الغرفة، لاحقا، تمُدّ يدَك نحو العلبة الحمراء وأنتَ تـُشاغبه:
-ما رأيك في سيجارة تـُهدّئ أعصابَك بعد رحلتنا المجهَضة إلى العاصمة؟
يُبعد عنكَ الكرطونة وهو يضحك:
-أعـوذ بالله، أصاحْبي.. أنتَ مَن تحتاج إلى أن تهدأ.. ماشي لهادْ الدّرجة گاعْ.. ههههه.
قبل ذلك:
-ألو. البْهجة هذا؟
-أيّيهْ، أوْستادْ، هو هذا. اللي حْبّات الخاطرْ كايْنة. إنّما… أنا، دابا باقي بعيدْ، أنا في أناسي، عادْ غادي نركبْ.. نُوصلْ ونغُوّتْ عْليكْ.
(أنتَ هو الأوستادْ.. فينْ مّا نحتاجْ رزقي تْكون بعيدْ.. گاعْ لا باقي تْجي).
تُنهي المُكالمة، وأنتَ تدلفُ إلى الرّيستـُو..
-السّلامْ.. واحْد الشّريفة، ما كايناشّ؟
-لا، ما كايناشْ.. الشّريفية مْشات عْـند بنتهـا في الإماراتْ، وْلا الأردنْ أو مانِي عارْفـة فينْ.. المُهمّ مـا كايناشْ.. إنّما راهْ كـُلّشي موجودْ: لْحُوتْ، لحـرية، لبيضْ، العصيرْ…
المُهمّ في كـُلّ هـذا -أقاطعُها- هذه الـ”إنّما” التي تحضُر في جميع الجُمل المُهمة في حواراتنا.. والأهمّ اليوم أنني لن أتمكّن من القبض على أي من دراهمي.. (لماذا نخطط كثيرا ما دامتْ مثلُ هذه الصّدَف الغبية كفيلة بإفشال كلّ “البرامج” في أية لحظة؟ ما نفعُ الشّباك الأوتوماتيكيّ في زمَن لا يسيرُ بسُرعة الأوتوماتيك؟).. رحتُ أسأل شارداً، وهو يواصل مُعاكستي في هذه اللحظـة التي يعرفُ: لن تتكرّر كثيراً..
حين تركني، رغم إلحاحي على بقائه إلى حين، بدتْ لي الوسادة الخالية مُغرية. ارتميتُ. ودّعتُ هذا العالم، بآلاته وتعامُلاته الغبية..
السّادسة ودقائق. حركة مُفاجئة في الشارع الخلفيّ. تفرك عينيكَ وأنتَ تقوم. تلُفّ يساراً. الدّرب طويل صعوداً نحو السّويقة العامِرة. قنينة رايْب، عشرُ حبّات سمينات من الهْندية وبعضُ تـُفاح وخصّ. سيتكفل ما تبقى من الفطور من حوتـات الشّريفـة بأمر العَشاء، في “أيام تُذكـّرُ بالـ…
عَـ
دَ
سْ…
