في مفاجأة علمية قد تغيّر النظرة السائدة حول ما يسمى بـ”المشروبات الصحية”، كشفت دراسة صينية حديثة أن استبدال المشروبات السكرية بالمشروبات قليلة السكر أو المحلّاة صناعيًا لا يوفّر حماية حقيقية من مرض الكبد الدهني غير الكحولي، بل يرتبط بزيادة خطر الإصابة به.
وأعلن فريق من مستشفى جامعة سوتشو الصينية عن النتائج يوم الأربعاء خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لأمراض الجهاز الهضمي في برلين، حيث عرضوا تحليلًا ضخمًا استند إلى بيانات أكثر من 123 ألف متطوع بريطاني تمت متابعتهم على مدى عشر سنوات.
تصريحات من الباحثين
قال الباحث الرئيس ليهي ليو إن المشروبات الغازية التقليدية الغنية بالسكر لطالما ارتبطت بزيادة خطر السمنة وأمراض الكبد، وأضاف: “لكننا اكتشفنا أن البدائل منخفضة أو خالية السكر ليست بريئة كما كان يُعتقد”.
وأوضح ليو أن المشروبات قليلة السكر رُوّجت على أنها خيار صحي لمن يريد تقليل استهلاك السكر، لكن النتائج أظهرت أنها ترتبط أيضًا بزيادة خطر تراكم الدهون في الكبد حتى عند تناولها باعتدال.
وأكد أن مشكلة الكبد لا تقتصر على السعرات الحرارية، بل على طريقة تفاعل المحليات الصناعية مع عملية الأيض والميكروبيوم المعوي، وهو ما قد يؤثر سلبًا على وظائف الكبد على المدى الطويل.
قاعدة بيانات ضخمة
اعتمد الباحثون على قاعدة بيانات Biobank UK، وهي واحدة من أكبر قواعد البيانات الصحية في العالم.
وضمّت الدراسة 123,788 مشاركًا لم يعانوا من أمراض كبدية في بدايتها. وتتبع الباحثون المتطوعين لمدة 10.3 سنوات، حيث ملأ المشاركون استبيانات دورية عن عاداتهم الغذائية واستهلاكهم لأنواع مختلفة من المشروبات.
وأظهرت النتائج أن 1,178 شخصًا من العينة أصيبوا بمرض الكبد الدهني غير الكحولي، فيما توفي 108 منهم بسبب مضاعفات مرتبطة بالكبد.
وبيّن التحليل الإحصائي أن استهلاك أكثر من 330 غرامًا يوميًا (ما يعادل عبوة كبيرة من المشروبات الغازية) ارتبط بارتفاع واضح في خطر الإصابة، سواء احتوت المشروبات على السكر أو سُوّقت على أنها “دايت” أو “خالية من السكر”.
ماذا يحدث في الكبد؟
يُعرف مرض الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD) بأنه اضطراب يؤدي إلى تراكم الدهون داخل خلايا الكبد نتيجة خلل في التمثيل الغذائي.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن المرض يصيب أكثر من 30% من سكان العالم. ومع تراكم الدهون، قد يتطور المرض إلى التهاب الكبد الدهني، الذي يمكن أن يؤدي في المراحل المتقدمة إلى تليّف أو فشل كبدي كامل.
وترى د. فانغ وي، اختصاصية التغذية الإكلينيكية بجامعة بكين، أن بعض المحليات الصناعية تُحفّز الدماغ والبنكرياس بطريقة مشابهة للسكر الطبيعي، ما يؤدي إلى خلل في الاستجابة الهرمونية وزيادة تخزين الدهون في الكبد.
نتائج رصدية مقلقة
أكّد الباحثون أن الدراسة رصدية ولا تُثبت العلاقة السببية بشكل مباشر، لكنها تكشف ارتباطًا قويًا يستحق المزيد من البحث.
وأشار الفريق إلى الحاجة لإجراء تجارب سريرية طويلة المدى لتوضيح التأثير بدقة أكبر.
ورغم ذلك، حذّر الباحثون من الاعتماد على مشروبات “الدايت” كبديل آمن، وأكدوا أن الخيار الأفضل لصحة الكبد يبقى الماء، يليه الشاي غير المحلّى أو العصائر الطبيعية الطازجة.
أثر عالمي متنامٍ
تتزايد معدلات أمراض الكبد المرتبطة بنمط الحياة في العالم بسبب الأنظمة الغذائية الغنية بالسكريات والدهون والمشروبات الغازية.
ويتوقع خبراء الصحة أن يصبح مرض الكبد الدهني السبب الأول لزراعة الكبد خلال العقد المقبل، متجاوزًا أمراض الكبد الفيروسية.
التوصية النهائية
خلصت الدراسة إلى رسالة واضحة: “لا يمكننا علاج مشكلة السكر بالسكر الصناعي”.
ويظل الاعتدال في استهلاك المشروبات المحلّاة، حتى تلك التي تُسوّق كخيارات “صديقة الحمية”، السبيل الوحيد لتجنّب خطر الكبد الدهني وأمراض الأيض المرتبطة به.
