صادق مجلس الحكومة الأسبوع الماضي على مشروع القانون رقم 16/22 المتعلق بتنظيم مهنة العدول، وهو ما يمثل خطوة مفصلية نحو تحديث هذه المهنة العريقة وإعادة هيكلتها بما يتماشى مع متطلبات الحكامة والشفافية.

وقد حمل المشروع تعديلات جذرية شملت شروط الممارسة، مكانة المرأة، وتنظيم سير العمل، هدفها الأسمى صون هيبة المهنة وضمان حقوق المتعاملين.

​ضوابط صحية وتنظيمية لضمان الكفاءة

​لعل أبرز ما أثار النقاش في مشروع القانون هو إلزام العدول البالغين 70 سنة فما فوق بالإدلاء بشهادة طبية سنوية صادرة عن مصالح الصحة العمومية، تثبت قدرتهم على الاستمرار في مزاولة المهنة.

ويأتي هذا الإجراء، الذي يجب تقديمه خلال ثلاثة أشهر من كل سنة تحت طائلة الإعفاء، لضمان استمرارية الكفاءة البدنية والذهنية اللازمة لمهنة ذات حساسية بالغة ترتبط بتحرير عقود الناس وأموالهم.

​بالتوازي مع ذلك، سعى المشرّع إلى القطع النهائي مع التسميات المُلتبسة التي يعتمدها بعض العدول، مثل “عدل موثق”.

ويؤكد المشروع أن هذا الإجراء ضروري لرفع اللبس لدى العموم، معتبراً أن مهنة العدول مستقلة ولها قانونها الخاص، ولا ينبغي خلطها بمهنة التوثيق العصري.

​انتصار للمرأة ومساواة في الأفق

​يمثل مشروع القانون 16/22 انتصاراً تاريخياً لمكانة المرأة في المجال القانوني، حيث تم تفعيل فتح المجال أمام المرأة للانخراط في المهنة على قدم المساواة مع الرجل.

هذا التعديل يترجم التوجيهات الملكية السامية، ويُنهي عقوداً طويلة كانت فيها مهنة العدول حكراً على الذكور، ليُعزز مبدأ المساواة والتمثيلية العادلة للجنسين في هذا المرفق الحيوي.

​تحديث المكاتب ورفع صفة الخدمة العمومية

​لم يغفل القانون الجديد عن الجانب التنظيمي لمكان الممارسة، حيث شدد النص على وضع حد للممارسات التي تسيء لوقار المهنة، مؤكداً على ضرورة توفر العدل على مكتب لائق، مجهز بالوسائل التقنية والمعلوماتية الحديثة، بما يضمن استقبال المتعاقدين في ظروف ملائمة وتقديم خدمة ذات جودة.

​وفي خطوة مهمة لضمان استمرارية الخدمة، أدرج المشرّع خدمات العدول ضمن “الخدمات التي تدخل في حكم الخدمة العمومية”.

ولضمان مصالح المواطنين، تم تنظيم مسألة التغيب عن العمل، حيث يُلزم النص بتكليف عدل آخر من نفس دائرة المحكمة الابتدائية بتدبير وتسيير شؤون المكتب المعني طيلة مدة الغياب.

كما تم التنصيص على عدم تنفيذ حكم إفراغ مكتب عدلي إلا بعد إشعار رئيس المجلس الجهوي المختص.
​رقمنة وتحرير العقود

​في سياق التحديث، نص المشروع على أن يتم تحرير العقود والشهادات بواسطة الحاسوب، وعلى ورق جيد بخصائص ضمان الحفظ الكامل.

ورغم ذلك، سمح القانون استثناءً بتحريرها باليد بناءً على طلب أحد الأطراف، شريطة استخدام مداد غير قابل للمحو وخط مغربي أصيل وسهل القراءة.

​كما حمل المشروع مقتضى جديداً يهم حقوق وواجبات العدول، وهو تمكين العدل من حق التوقف عن ممارسة المهنة لأسباب علمية أو دينية أو صحية لمدة سنة، قابلة للتجديد أربع مرات، بإذن من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل.

​هذا ويهدف مشروع القانون رقم 16/22 إلى ضبط مهنة العدول وتقنينها بشكل يواكب العصر، عبر ضخ دماء جديدة، ضمان الكفاءة الصحية، وتكريس مبدأ المساواة، مما يجعله خطوة محورية نحو إصلاح شامل لمنظومة العدالة.

إدريس لكبيش/ Le12.ma

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *