تُشكّل المذكرة التوجيهية المؤطرة لمشروع قانون المالية 2026، التي أعدتها حكومة عزيز أخنوش، خارطة طريق واضحة وحاسمة، تنسجم تماماً مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش الأخير.
تحليل إخباري أعده: محمد ابن إدريس
تدخل المملكة المغربية مرحلة إستراتيجية محورية ومفصلية في مسيرتها نحو التنمية المستدامة، حيث تتزامن الإصلاحات الهيكلية التي انطلقت قبل سنوات مع الحاجة الملحّة لتعزيز الصمود الاقتصادي والنمو الاجتماعي في مواجهة الإكراهات الداخلية والصدمات الخارجية المتعددة.
وفي هذا السياق، تُشكّل المذكرة التوجيهية المؤطرة لمشروع قانون المالية 2026، التي أعدتها حكومة عزيز أخنوش، خارطة طريق واضحة وحاسمة، تنسجم تماماً مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش الأخير.
وترتكز على ثلاثة أسس متينة تُشكّل حجر الزاوية في المشروع الوطني:
ـ العدالة الإجتماعية لضمان تكافؤ الفرص والحدّ من الفوارق؛
ـ الجاذبية الإقتصادية لجذب الإستثمار وخلق فرص العمل؛
ـ التماسك الترابي لتحقيق تنمية متوازنة وشاملة لجميع الجهات.
مشروع ميزانية 2026: رؤية متكاملة تتجاوز الأرقام
يجسّد مشروع قانون المالية 2026 رؤية وطنية شاملة تجعل من كل درهم يُستثمر رافعة حقيقية للتحول والتنمية البشرية المستدامة.
ولا يقتصر هذا المشروع على مجرد عملية مالية سنوية تقليدية، بل هو خطة متكاملة تجمع بين توسيع نطاق الدولة الاجتماعية وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال:
ـ تعميم الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاق الدعم المباشر لحماية المواطنين ودعم الفئات الهشّة؛
ـ ضخ إستثمارات ضخمة في تطوير البنيات التحتية الحيوية، وتحسين جودة التعليم، وتعزيز قطاع الصحة، وتطوير التنقّل المستدام كعنصر أساسي في التنمية البيئية.
مشاريع عملاقة تعكس طموحات المملكة
تتجسّد هذه الرؤية الطموحة في عدد من المشاريع الكبرى التي تُشكّل مستقبل المغرب الاقتصادي، ومنها:
ـ ميناء الداخلة الأطلسي، بوابة إستراتيجية لتعزيز التجارة والربط البحري بين الدول الإفريقية والأسواق العالمية عبر المحيط الأطلسي، وخاصة مع أمريكا الجنوبية، مما يعزّز مكانة المغرب كمركز لوجستي دولي من الطراز العالمي؛
ـ مصنع البطاريات الضخم في الجرف الأصفر، الذي سيساهم في دعم التحوّل الطاقي والصناعة الخضراء، ويضع المغرب على خريطة الاقتصاد الأخضر العالمي؛
ـ ملاعب كأس العالم 2030، التي ستعزّز البنية التحتية الرياضية وتفتح آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية والسياحية؛
ـ محطات تحلية مياه البحر التي تضمن استدامة الموارد المائية وتدعم الأمن المائي في ظل التحديات المناخية المتزايدة.
تحدّيان مزدوجان يتطلبان حلولًا متكاملة
على الرغم من الطموح الكبير، يبقى التحدّي المزدوج قائمًا:
ـ الحفاظ على ديناميكية نمو إقتصادي شامل يضمن استفادة جميع شرائح المجتمع؛
ـ تقليص الفوارق الإجتماعية والمجالية التي تؤثر على التماسك والاستقرار الاجتماعيين.
لذلك، تؤكّد المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لعام 2026 على ضرورة:
ـ إعتماد حكامة جيدة وفعالة تضمن حسن إدارة الموارد وتحقّق النتائج المرجوّة؛
ـ تحفيز الاستثمار الخاص باعتباره رافعة أساسية للنمو والتنمية؛
ـ إجراء إصلاحات جذرية في المرافق والخدمات العامة لضمان جودة الخدمات وتحسين كفاءتها بشكل مستدام وفعّال.
الثبات الإستراتيجي: قوة في عالم متقلّب
كنسيج دقيق بدأ نسجه منذ سنوات، ثمة عناصر إستراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها أو إستبدالها دون المساس باستقرار منظومة التنمية.
إن مشروع قانون المالية 2026 ليس مجرّد وثيقة مالية، بل هو دليل واضح على قدرة المغرب على تحويل رؤيته الوطنية الطموحة إلى إنجازات ملموسة ومستدامة يستفيد منها الجميع، بغضّ النظر عن مواقعهم الجغرافية والاجتماعية.
نحو تنمية شاملة ومستدامة
في خضم التقلبات الجيوستراتيجية العالمية، بآثارها السلبية والإيجابية وترابطاتها الاقتصادية المتزايدة التعقيد والكثافة، يظل الثبات في التوجهات الاستراتيجية أحد أهم مكاسب المملكة المغربية، ورمزًا واضحًا لمرحلة جديدة من التنمية الشاملة والمستدامة. يهدف هذا التوجه إلى بناء مغرب قوي ومتوازن، يلبي تطلعات مواطنيه، ويعزّز مكانته الإقليمية والدولية، في ظل القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس.

bien