“اختارت القناة التركيز على الزاوية المثيرة من المشهد، مروجة مقطعاً قصيراً مدته دقيقة واحدة من حوار الناطق الرسمي باسم الحكومة، وإدراجه على صفحاتها في مختلف منصات التواصل الاجتماعي؛ متجاهلة ساعة كاملة من الأجوبة الصريحة والمباشرة المدعومة بالأرقام والمعطيات الدقيقة”.

بقلم: إبراهيم بوليد

“اتضح أن قناة “ميدي1 تيفي” استغلت احتجاجات شباب “زيد” لتغذية موجة من الجدل المفتعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بدل أن تؤدي دورها كمنبر مهني يسعى إلى تهدئة الأجواء وتنوير الرأي العام.

فقد اختارت القناة التركيز على الزاوية المثيرة من المشهد، مروجة مقطعاً قصيراً مدته دقيقة واحدة من حوار الناطق الرسمي باسم الحكومة، وإدراجه على صفحاتها في مختلف منصات التواصل الاجتماعي؛ متجاهلة ساعة كاملة من الأجوبة الصريحة والمباشرة المدعومة بالأرقام والمعطيات الدقيقة.

بهذا التصرف، أظهرت القناة انحرافاً عن رسالتها الإعلامية الأصلية، إذ فضّلت الإثارة على المصداقية، وأعطت انطباعاً مضللاً لجيل من الشباب المتابعين لمحتواها على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يستهلكون المعلومة بسرعة دون الاطلاع على السياق الكامل.

الأخطر أن هذا النهج لم يكن هفوة عابرة، بل اتجاه متعمد نحو البوز والضجيج الرقمي، عوض التحليل الرصين والنقاش المسؤول الذي ينتظره المواطنون من قناة تموَّل من المال العام.

وتبرز المفارقة أكثر حين يُتداول أن أجور بعض مسؤولي القناة تتجاوز 40 مليون سنتيم شهرياً حسب ما تم تسريبه بخصوص الأجور المصرح بها بالضمان الاجتماعي، أي ما يعادل عشر مرات راتب وزير في الحكومة.

هذا الواقع يطرح تساؤلات جدية حول عدالة توزيع الموارد وضعف الحكامة في التسيير، خاصة وأن الأداء التحريري لا يعكس مستوى هذه النفقات الضخمة، بل يكشف أزمة مهنية وأخلاقية متفاقمة داخل مؤسسة عمومية من المفترض أن تكون نموذجاً في الكفاءة والالتزام.

أما ما روّجته القناة بشأن المطالبة برحيل الحكومة أو استقالتها، فهو في الأصل مطلب انتخابي يعبّر عن خصوم سياسيين وليس ما يعبر عن موقف فكري عقلاني أو وطني مسؤول.

فقد ساهمت القناة في تضخيم هذا الخطاب دون تمييز بين الرأي السياسي المشروع وبين التحليلات الجاهلة التي تفتقر إلى قراءة دستورية أو فهم مؤسساتي صحيح.

إن طريقة توظيفها لكل ما يقال، دون تمحيص أو تحقق، تكشف جهلاً مهنياً لدى بعض محرريها ومسيريها، ممن اختاروا ركوب الموجة بدل تقديم قراءة واقعية للأحداث، فباتوا أبعد ما يكونون عن المهنية والوعي بدور الإعلام في توجيه الرأي العام نحو الفهم لا نحو الفتنة.

إن الإعلام العمومي، بصفته شريكاً أساسياً في ترسيخ الوعي الوطني وممولا من أموال دافعي الضرائب، مطالب اليوم بأن يستعيد روحه ومسؤوليته، وأن يعود إلى جوهر رسالته في نشر الطمأنينة والتوازن، لا البلبلة والانفعال”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *