أحمد بوزفور
و”التوقيع” فن شذريّ أرستقراطي عرفه الأدب العربي قديما.. هو شذري لأنه مؤلَّف من جملة واحدة فقط أو جملتين. وهو أرستقراطي لأن الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء هم الذين كانوا يكتبونه، تعليقا على ما يرِدُهم من رسائل العمال في الأقاليم.
من هذه التوقيعات ما يحكُون عن معاوية حين كتب إليه عامله على البصرة يستأذنه في بناء داره ويسأله السماح له بأخذ اثني عشر ألف جذع من نخيل البصرة لبناء هذه الدار، فكتب إليه معاوية: “أَدارُك في البصرة أم البصرةُ في دارك؟!”..
ومنها ما كتب عبد الملك بن مروان، تعليقاً على رسالة للحجاج يخبره فيها بخروج عبد الرحمان بن الأشعث، وبقوته وكثرة أتباعه. كتب عبد الملك إلى الحجاج: “بضعفك قوي وبخوفك طمع”.
وكتب والٍ إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يستأذنه في ترميم مدينته وتحصينها، فكتب إليه عمر: “حصِّنها بالعدل”.
وكتب نصر بن سيار، عامل الأمويين على خراسان، إلى مروان بن محمد (آخر خلفاء بني أمية) يحذّره من ثورة مقبلة يهيئ لها العباسيون في فارس:
أرى خلل الرّماد وميضَ نارٍ = ويوشك أن يكون لها ضرامُ
فإنّ النـارَ بالعـودين تُــذكى = وإن الـحـرب أولـُـــها كــلامُ
فقلت من التعجب ليت شعري = أَأَيْـــقاظٌ أُمــــيةُ أم نــِيَامُ؟
فكتب إليه مروان “الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فاحسم الثُّؤلول”. فكتب إليه نصر: “الثؤلول قد امتدت أغصانه”، فرد عليه مروان: “يداك أَوْكَتا وفوك نفخ”.
وكتب الرشيد في نكبة البرامكة: “أنبتتهم الطاعة وحصدتهم المعصية”.
وكتب المأمون إلى وال يشكو منه الناس: “كَثُرَ شاكُوكَ وقَلَّ شاكروك، فإمَّا اعتدلتَ وإمّا اعتزلت”.
