في السياسية، حيث لا تنضب ينابيع الكوميديا السوداء، يطل علينا نجم جديد/قديم ليقدم “مونودراما” أسبوعية في مسرح قبة البرلمان
إنه البرلماني عبد الله بوانو، الذي تحولت خرجاته من مجرد أسئلة برلمانية إلى حلقات مكثفة من مسلسل بعنوان: “حملة 2026: الجزء الأول..”.
عقدة “الحمامة” وسيناريو الافتراس
يبدو أن ضربة قاضية سابقة، لم تكن مجرد كدمة عابرة، بل تركت “عقدة” عميقة في نفس بوانو تجاه حزب التجمع الوطني للأحرار، أو ما يمكن أن نسميه “متلازمة الأحرار”.
هذه العقدة تُترجم حالياً إلى قصف عشوائي ومنظم يستهدف الحكومة ورئيسها، عزيز أخنوش.
تارةً يُشهر سيف “حكومة تضارب المصالح”، وتارةً أخرى يرفع راية “حكومة الصفقات”، وكأن مصطلحات الاقتصاد والتدبير قد تم اختزالها في قاموسه السياسي إلى مجرد أدوات لتأليب الرأي العام، بانتظار إعلان موعد الاقتراع.
وكأن الهدف ليس إثراء النقاش المؤسساتي، بل تسجيل “نقاط انتخابية” بالجملة على حساب المنافس اللدود.
بعد فضيحة “أرباح الغازوال” التي تبخرت كفقاعة صابون أمام الحقائق، ها هو “أبو العريف” يتحول إلى قناص يستهدف هذه المرة وزير الصحة، أمين التهراوي (المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار طبعاً)، وبدون تقديم “أي دليل واضح”.
وكأن القاعدة البرلمانية أصبحت تقول: “اتهم أولاً… وابحث عن الدليل لاحقاً، أو لا تبحث أصلاً!”
حزب البيجيدي، الذي صعد إلى الحكم على صهوة جواد شعار “محاربة الفساد”، وبعد أن قضى سنوات في تدبير الشأن العام، عاد ليجد نفسه خارج اللعبة. واليوم، يستفيق بوانو ليعزف على وتر هذا الشعار القديم المهترئ.
الميكروفون والـ “فيتو” المنسي
يا فارس الخطابات النارية ومهندس الأسئلة الشفهية! تحية لك، وأنت تتألق مجدداً على مسرح قبة البرلمان، شاهراً سيفك الخطابي في وجه وزارة الصحة.
دعني أُنشِّط ذاكرتك الثمينة قليلاً.. فبينما كنت تستعد لهذه “الخرجة البرلمانية” الأخيرة، ربما نسيت فصلًا سابقًا، لم يكن دوره في محاربة الفساد، بل في حمايته!
أتذكر لحظة أنين “الدقيق المدعّم” وهو يستغيث؟.. أتذكر زميلكم البرلماني الذي وضع القانون في جيب سترته الخلفي بدلاً من تطبيقه؟..
في تلك اللحظة التاريخية، لم يكن سيفك موجهاً للعدو، بل كنت أنت أول من رفع “قانون الحصانة” لـ “إنقاذ العرض”! كنت حريصاً على أن يبقى هذا “البرلماني النزيه” في مقعده ليزاول مهامه الوطنية النبيلة.
يا لها من مفارقة عجيبة.. صوتك يجلجل كالقذيفة ضد أخنوش ووزارة الصحة، ولكنه يصبح همسة وديعة عندما يتعلق الأمر برفع الحصانة عن صديقك في “تجارة الدقيق”!..
في الحقيقة أنت لا تحارب الفساد. أنت ببساطة تتقن فن “المتاجرة السياسية بالفساد”.. إنك تطلب من المواطن أن يثق بك وأنت ترفع عنه “حق المقاضاة” لبرلماني يعبث بالدعم.
إنك تشكك في المؤسسات وأنت أول من يحمي “الحصانة” من أنياب العدالة.
على سبيل الختام..
ختاماً، وبدلاً من هذه “الخَرجات” البرلمانية الاستعراضية التي أصبحت كالـ “فولكلور” السياسي، توجه للنيابة العامة ارفع شكاية واحدة فقط. قدم أدلتك وإثباتاتك. تخلص من ميكروفون البرلمان واستبدله بـ “محضر رسمي”.
لا يسعنا أمام هذا المشهد إلا أن نقول”عَيَّقتُوا بالمتاجرة السياسية بالفساد”، والجمهور، وإن كان يتصرف كالمتفرج الصامت أحياناً، فإنه ليس غبياً كما تعتقدون.
إدريس لكبيش/ Le12.ma
