كما أكدت على ذلك في العديد من المقالات السابقة وفي الكتاب الذي نشرته السنة الماضية عن النزاع المفتعل بخصوص الصحراء المغربية، فإنه منذ أن اعتمد مجلس الأمن القرار 2440 في شهر أبريل 2018، حيث تم لأول مرة ذكر الجزائر.
فقد كانت تلك أول إشارة تؤشر على التوجه العام لمجلس الأمن نحو الإقرار بالحقيقة التي لطالما حاول المغرب إثباتها وهي أن الجزائر لا تعتبر فقط طرفاً في النزاع، بل تعتبر الطرف الرئيسي الذي تسبب في إطالة أمده.
وبعد أن تلق نظام العسكر الخبيث صفعة مؤلمة حينما اعتمد مجلس الأمن القرار 2797، الذي حسم النقاش القانوني للنزاع وكرس مقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية باعتباره الأكثر قابلية للتطبيق، ها هو يتلقى لكمة جديدة مع نشر الأمانة العامة للأمم المتحدة للنسخة العربية للقرار التي، على عكس القرارات السابقة، لم تتعد تتحدث عن الطرفين، بل أصبحت تتكلم عن الأطراف، وهو ما يعني بشكل لا لبس فيه أن مجلس الامن يعتبر بشكل رسمي الجزائر طرفاً رئيسياً في النزاع.
وعياً منها بأن الجزائر لن تبد أية رغبة في الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل لحل نهائي يحفظ ماء وجه كل الأطراف وبأن الجزائر لا ترغب البتة في طي النزاع لأن طيه يتعارض مع عقيدتها السياسية المبنية على العداء للمغرب ورغبتها في الاطاحة بالنظام الملكي، فإن الدولة المغربية ستشتغل في الأسابيع والشهور القادمة على واجهتين:
الواجهة الأولى هي حشد الدعم الدولي داخل الجمعية العامة لضمان الحصول على العدد الكافي من الأصوات للتقدم بمشروع قرار لدى الجمعية العامة لحذف إقليم الصحراء المغربية من قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي.
مع إعتماد مجلس الأمن لقرار يقر فيه لأول مرة بالسيادة المغربية على الصحراء ويؤكد أن الخيار الوحيد لحل النزاع يكمن في تبني المقاربة المغربية، فهناك حاجة ماسة لوضع حد لهذ الوضع النشاز الذي تشهده الجمعية العامة منذ أن أصبح هذا الملف على جدول أعمال مجلس الأمن.
تعيش الجمعية العامة وضع نشار لأنها منذ عام 1991 استمرت في حشر أنفها في النزاع المفتعل حول الصحراء في إنتهاك للفقرة الأولى من المادة 12 من ميثاق الأمم المتحدة التي تقول بشكل واضح أنه “عندما يباشر مجلس الأمن، بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدّم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلاّ إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن”.
ومع ذلك، ولأن الجمعية العامة كيان مسيس بإمتياز وأخذاً في عين الإعتبار أنها كانت تتبنى في السابق موقفاً داعماً لبناء مستقل في الصحراء وعدد كبير من الدول الأعضاء كان يدعم مشروع الإنفصال إما بشكل علني أو ضمني، فقد كان من الصعب على المغرب أن يدفع في إتجاه حذف هذا النزاع من جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الآن وبعدما كرس القرار 2797 السيادة المغربية على الصحراء في وقت أصبح 125 بلداً على الأقل من الدول لـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة تدعم السيادة المغربية على الصحراء أو تقر بأن مقترح الحكم الذاتي هو الأساس الوحيد للتوصل لحل نهائي للنزاع، لم يعد هناك أي داع لاستمرار هذا الملف على جدول أعمال الجمعية العامة.
وأصبح بإمكان المغرب الحصول على النصاب القانوني الكافي لتحقيق ذلك.
فحتى يتمكن المغرب من تحقيق هذا المبتغى، سيتعين عليه الحصول على دعم 98 بلداً علماً أنه، حسب القوانين الإجرائية للجمعية العامة لا يحتاج المغرب سوى لأغلبية بسيطة من الدول الأعضاء الحاضرين والمصوتين.
أما الجبهة الثانية التي سيتعين على المغرب الاشتغال عليها، فهي طرد جمهورية تندوف من الاتحاد الإفريقي.
لقد كان الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الافريقية سابقاً) هو المنصة الأساسية التي استعملتها الجزائر منذ أن نجح المغرب في طرد إسبانيا من الصحراء عقب المسيرة الخضراء لحشد الدعم للبوليساريو باعتباره “الممثل الشرعي” لسكان الصحراء، وهو ما نجحت في تحقيقه منذ القمة السادسة عشر لرؤساء الدول الأعضاء التي عقدت في العاصمة الليبيرية مونروفيا في يوليوز 1979.
ومنذ ذلك الحين، تبنت منظمة الوحدة الافريقية السردية الجزائرية، حيث اعترفت بأن البوليساريو يعتبر “الممثل الوحيد للشعب الصحراوي” وادعت أن المغرب “لا يملك أي سيادة على الصحراء”.
الآن وبعد الاختراقات الدبلوماسية المتتالية التي حققها المغرب منذ رجوعه للاتحاد الإفريقي وبعدما أصبح يثبت نفسه بإعتباره شريكاً اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيا موثوق ولا مناص منه لمعظم الدول الافريقية، بما في ذلك تلك التي كانت تدعم في السابق أطروحة الانفصال، في مقدمتها كينيا ونيجيريا وإثيوبيا وغانا، فيمكن القول إن الظروف أصبحت مواتية ليوجه المغرب الضربة القاضية المميتة لمشروع الانفصال الجزائري من خلال طرد ذلك الكيان الطفيلي من الاتحاد الإفريقي.
*الدكتور سمير. بنيس -محلل سياسي
