سعيد بلفقير*

حديث يُلزمني، أنا العاشق لمدرسة قديمة في الكرة، يعنيني أنا الجالس في مكان ما على المدرجات، لا أدّعي علما ولا أتشدق بأحكام في مجال لا أعرف عنه إلا ما مارستُ في الطفولة من “ماسَّة” ومباريات الدروب الضيقة، التي تبدأ بطلوع الشمس ولا تنتهي إلا بأمر صاحب الكرة أو بنداء الوالدة أو تحذير ذاك الجار الحانق، الذي صنّفناه دوما في خانة “الشرير” الذي لا يحبّ الكرة.
منذ سنوات، وأنا أتابع محسن متولي، لاعبا للرجاء، للوكرة، للريان، وللأهلي القطري، كنت دائما أتساءل إن كان متولي، فعلا، واحدا من أبناء جيله، هو حتما سقط سهوا في زمن الصرامة التكتيكية والانضباط حد الجمود وحسابات أفقدت كرة القدم بعض سحرها.
متولي نوع نادر من اللاعبين، يمزج بين فرديات الزمن الجميل ومفهوم القيادة، واسألوا زملائي المعلقين في القنوات القطرية وهم يعلقون على مباريات يكون فيها الفتى المغربي حاضرا.. أحمد الطيب لا يذكر اسم محسن إلا مقترنا بالمتعة والإعجاب، خليل البلوشي وغيرهما، لا يمكن أن يمر أمامهم هذا اللاعب مرورا بلا أثر.

قد يقول قائل إن المستوى في دورياتنا العربية لا يتيح مساحة مناسبة للحكم على أي لاعب، لذا أحيلهم على شهادة الكبير غوارديولا ذات مونديال للأندية حين تلعثم وهو يذكر اسم متولي، تلعثم لأن الاسم يصعب لفظه بالنسبة إلى “بيب”، لكنه أصرّ على ذلك احتراما لما رأى في اللاعب، وكان الجزاء آنئذ أن لعب للمنتخب في عهد بادو الزاكي، لعب ثوانيَ أو دقائق في الوقت بدل الضائع أمام منتخب روسيا، في مباراة ودية ليسقط من اللائحة بعد ذلك إلى الأبد.
في “الديربي العربي” المجنون، بين الوداد والرجاء، ودون الخوض في تفاصيل المباراة، أستحضر فقط ضربتي الجزاء اللتين تولى متولي تنفيذهما..
بعد “بانينكا” -الناهيري الساحرة، لم يكن متولي ليغامر برد الدَّين أمام حارس كبير كالتكناوتي، لذا وضعها في أصعب الزوايا، موقعا هدف التعدل. لكنْ في ضربة الجزاء الثانية اختلف الوضع ولم يخدع متولي الحارس فقط، بل خدعنا جميعا عندما رد هو الآخر بـ”بانينكا”.
في هذا التوقيت، ومن نقطة الجزاء، وأمام خصم كبير كالوداد، وأمام حارس اسمه التكناوتي، وتفعل ما فعله متولي.. فهناك ثلاثة احتمالات: إما أن تكون مجنونا، وإما أن تكون آلة قتل باردة بلا أحاسيس، وإما أن تكون… متولي.
