سجل المغرب خلال الأيام الأخيرة اختراقًا نوعيًا في مواقف عدد من الدول المؤثرة بعد الكشف عن النسخة المحدثة والموسعة من مقترح الحكم الذاتي.

تسارعت خلال الأيام الأخيرة وتيرة التحركات الدبلوماسية المغربية حول ملف الصحراء، بعد أن انتهى فريق وزير الخارجية ناصر بوريطة من إعداد المسودة الأولى للنسخة المحدثة من مقترح الحكم الذاتي.

خطوة تعكس إرادة الرباط في تجديد مضمون مبادرتها الأصلية التي قُدمت في ثلاث صفحات سنة 2007، وتكييفها مع التحولات المؤسساتية والإدارية التي شهدها المغرب منذ ذلك التاريخ، خصوصاً بعد اعتماد التقسيم الجهوي الجديد سنة 2015.

النسخة الجديدة، التي جرى إعدادها بصيغة أكثر تفصيلاً، تأخذ بعين الاعتبار التطورات الإقليمية والدولية، وتقدم تصوراً مهيكلاً لحكم ذاتي موسّع يندمج في المنظومة الوطنية على أسس واضحة للتمثيلية المحلية وتدبير الشأن العام تحت السيادة المغربية.

مصادر متطابقة تشير إلى أن الرباط لم تنجز هذا التحديث بمعزل عن شركائها الدوليين، إذ حظي المشروع بدعم بريطاني وفرنسي.

لا، بل، وواكبته مساهمات تقنية واستشارية من خبراء مختصين. فقد استعانت لندن، حسب المعطيات المتاحة، بالخبير في نزاعات شمال إفريقيا كريستوفر ثورنتون لمواكبة عملية الصياغة وضمان تكيّف الخطة مع المعايير الدولية.

حدث هذا، بينما لعبت باريس، خصوصاً بعد الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب عام 2024، دوراً محورياً في تطوير الوثيقة وتعزيز بعدها الأوروبي، في سياق تقارب سياسي متجدد بين البلدين.

ومنذ الإعلان عن النسخة المحدثة والموسعة من المبادرة، سجلت الدبلوماسية المغربية تقدماً متنامياً على مستوى التأييد الدولي.

إذ بدأت عواصم مؤثرة، عربية وإفريقية وأوروبية، تُعبّر عن دعم صريح أو ضمني للمقترح المغربي بعد اطلاعها على تفاصيل الخطة الجديدة وما تحمله من ضمانات مؤسساتية قوية لحكم ذاتي فعلي في إطار السيادة الوطنية.

وقد رصدت مصادر دبلوماسية في نيويورك تفيد معطيات جريدة le12.ma، تحركاً لافتاً في مواقف عدد من الدول الأعضاء غير الدائمين بمجلس الأمن، التي أبدت ترحيباً متزايداً للمقاربة المغربية باعتبارها الحل الواقعي الوحيد الكفيل بإنهاء النزاع بشكل نهائي ومستدام.

هذا الزخم الدبلوماسي يواكب حراكاً مغربياً واسعاً يهدف إلى حشد التأييد الدولي للمقترح المحدث، وإقناع مزيد من العواصم الكبرى بجدواه الواقعية.

فإلى جانب الدعم الأميركي الثابت منذ 2020، حين اعترفت واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء، شهد الموقف البريطاني تحوّلاً بارزاً خلال العام الجاري مع إعلان وزير الخارجية ديفيد لامي دعم بلاده العلني لخطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الحل الأكثر جدية وواقعية.

فرنسا بدورها أكدت أكثر من مرة أن المقترح المغربي يمثل القاعدة الوحيدة المقبولة لحل النزاع، فيما أبدت دول أوروبية أخرى، مثل البرتغال، مواقف مشابهة خلال الأشهر الماضية.

هذا التقدم الدولي المتسارع يتقاطع مع موعد دقيق في أجندة الأمم المتحدة، إذ تنتهي ولاية بعثة “مينورسو” في الثلاثين من أكتوبر الجاري، ومن المرتقب أن يناقش مجلس الأمن مشروع قرار جديد حول الصحراء خلال الأسابيع المقبلة. وتشير التوقعات إلى احتمال خروج المجلس هذه المرة من المنطقة الرمادية التي وسمت قراراته السابقة، نحو نص أكثر وضوحاً يرسخ الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ويعتمد مقترح الحكم الذاتي، بصيغته المحدثة، كإطار وحيد لتسوية النزاع.

وبينما تعمل الرباط على تأمين دعم تسعة أعضاء على الأقل داخل المجلس لتفادي أي اعتراض أو فيتو محتمل، تستمر في تنظيم لقاءات ثنائية مكثفة بنيويورك ومع عواصم القرار، خصوصاً مع باريس ولندن وواشنطن، لضمان أن يُصاغ القرار المقبل بروح توافقية تحفظ مرجعيتها السياسية الجديدة.

ومن المنتظر أن يتضمن النص المرتقب إشادة بالمبادرة المغربية، مع دعوة الأطراف إلى إطلاق مفاوضات مباشرة على أساسها، في أفق الانتقال من مرحلة إدارة النزاع إلى طيّه نهائياً.

ورغم ما قد يثيره هذا المسار من اعتراضات لدى النظام العسكري الحاكم بالجزائر ومحميته المطيعة ميليشيات جبهة البوليساريو الانفصالية الإرهابية، اللذان تبدّدت بين أيديهما كل الأسلحة الشعاراتية بما فيها الصراخ، الذي بات اليوم مخنوقا ومحط اتهام لتنظيم إرهابي ولدولة حاضنة للإرهاب، فإن الرباط ماضية بعزم في مسعاها لفرض منطق “الحل الواقعي” داخل الأمم المتحدة.

فهي تراهن على موازين القوى الجديدة داخل مجلس الأمن وعلى تزايد عدد الدول التي تعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي تشكل الحل العملي الوحيد الممكن…

في خلفية هذه الحملة الدبلوماسية المكثفة، تتضح أهداف المغرب بجلاء: ترسيخ مقاربته للحكم الذاتي باعتبارها الإطار النهائي والوحيد المقبول دولياً، ودفع مجلس الأمن إلى تبني قرار يكرّس سيادته على كامل ترابه الوطني بما فيه الصحراء.

وإذا ما تمكنت الرباط من تمرير هذا القرار خلال دورة أكتوبر الحالية، فسيكون ذلك لحظة فارقة في تاريخ النزاع، إذ ينتهي زمن الغموض الذي امتد لأكثر من أربعة عقود، ويُفتح أفق جديد لتسوية نهائية عنوانها “السيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية”…

*محمد سليكي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *