في حوار مع جريدة LE12.MA من خمسة محاور، يقدم أنور الهزيتي، الباحث المتخصص في العلوم السياسية، قراءات متعددة لعدد من أعطاب المنظومة السياسية المغربية، والمطالب الإصلاحية، من أجل تجويد الإنتاج الانتخابي في المغرب.
في هذا المحور يتحدث أنور الهزيتي، حول التقطيع الانتخابي السليم، الذي يعتبره كان سواء في المغرب أو في أي ديمقراطية حديثة يجب أن يستند إلى معايير واضحة وشفافة.
أجرى الحوار- محمد سليكي
برأيكم، ما هي الأهمية التي يكتسيها التقطيع الانتخابي بالنسبة إلى العملية الانتخابية؟
في الحقيقة، يكتسي التقطيع الانتخابي أهمية بالغة في العملية الانتخابية بالمغرب، لأنه يشكل الإطار الجغرافي الذي تُوزع داخله الأصوات وتُحتسب المقاعد، وبالتالي فإنه يؤثر بشكل مباشر على نتائج الانتخابات، وعلى تمثيلية المواطنين داخل المجالس المنتخبة.
أولاً، التقطيع الانتخابي يحدد حجم الدوائر وعدد المقاعد المخصصة لكل منها، ما يجعله عاملاً أساسياً في موازنة التمثيلية بين المناطق الحضرية والريفية، وبين الجهات ذات الكثافة السكانية المختلفة. فإذا كان التقطيع غير متوازن، قد يؤدي إلى تفاوت في القوة التصويتية بين المواطنين، وهو ما يُضعف مبدأ المساواة في التمثيل.
ثانياً، يُمكن للتقطيع أن يؤثر على موازين القوى السياسية، حيث إن بعض صيغ التقطيع قد تخدم مصالح أحزاب معينة على حساب أخرى، خصوصاً إذا تم توزيع الدوائر بطريقة تُشتّت الأصوات المعارضة أو تُركّز الدعم الانتخابي في دوائر محددة.
ثالثاً، للتقطيع دور مهم في تعزيز أو إضعاف التمثيلية المجالية والعدالة المجتمعية، حيث يُمكن، إذا تم تصميمه بطريقة عادلة وشفافة، أن يضمن حضوراً متوازناً لمختلف الجهات والفئات، ويسهم في تقوية الرابط بين المنتخبين وساكنة دوائرهم.
وأخيراً، يُعد التقطيع أحد العوامل التي تحدد مصداقية العملية الانتخابية وثقة المواطن فيها، لذلك يُفترض أن يتم وفق معايير واضحة وشفافة تأخذ بعين الاعتبار التوازن الديمغرافي والمجالي، وتُعرض للنقاش المؤسساتي والسياسي قبيل كل استحقاق انتخابي.
ما هي في نظركم معايير التقطيع الانتخابي السليم؟
أعتقد، أن التقطيع الانتخابي السليم، سواء في المغرب أو في أي ديمقراطية حديثة، يجب أن يستند إلى معايير واضحة وشفافة تضمن العدالة والتمثيلية النزيهة، وتُجنب الانحرافات التي تؤدي إلى التلاعب بالنتائج أو اختلال التوازن بين مكونات المجتمع. استناداً إلى الممارسات الجيدة المعتمدة عالمياً، يمكن اقتراح المعايير التالية التي ينبغي أن تُعتمد في المغرب لضمان تقطيع انتخابي سليم:
أولا. الإنصاف الديمغرافي (مبدأ صوت واحد لكل مواطن)
يجب أن يكون لكل دائرة انتخابية تقريباً نفس عدد السكان أو الناخبين، لتفادي التفاوت في القوة التصويتية بين الدوائر. أي ألا تكون قيمة صوت المواطن في منطقة أقل من قيمة صوت مواطن آخر في دائرة مختلفة.
ثانيا. الانسجام الجغرافي والمجالي
ينبغي أن تراعي الدوائر حدود الجماعات والعمالات والأقاليم، وأن تكون متجانسة من حيث الخصائص الجغرافية والاجتماعية والثقافية، لتقوية العلاقة بين الناخبين وممثليهم وضمان استقرار التمثيلية المجالية.
ثالثا. الحياد السياسي
يجب أن يتم إعداد التقطيع من طرف هيئة مستقلة أو بإشراف لجنة متعددة التمثيليات (قانونيين، خبراء، قضاة، وممثلين عن الأحزاب)، لتفادي أي شبهة تلاعب سياسي أو “هندسة انتخابية” تخدم مصالح جهات معينة (ما يُعرف عالمياً بـ «gerrymandering”).
رابعا. العدالة في التمثيلية المجالية
ينبغي أن يأخذ التقطيع بعين الاعتبار التفاوتات المجالية بين المناطق (الريف/المدن، المركز/الهامش) بشكل يضمن عدم تهميش بعض الجهات أو الفئات، مع مراعاة صعوبات التضاريس والولوج، خاصة في المناطق النائية.
خامسا. الاستقرار النسبي
يفترض ألا يتم تعديل التقطيع إلا عند الضرورة، كالتغيرات الديمغرافية الكبيرة، لتفادي إرباك الناخبين والفاعلين السياسيين، وضمان استمرارية التمثيلية.
سادسا. الشفافية والمشاورات المسبقة
ينبغي عرض أي مشروع لتعديل التقطيع للنقاش العمومي، عبر مشاورات مع الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وخبراء مستقلين، لضمان مشروعيته ومصداقيته.
سابعا. احترام مبدأ التعددية
لا يجب أن يؤدي التقطيع إلى تقليص التعددية الحزبية أو تمكين حزب معين من الهيمنة المفرطة على النتائج، بل يجب أن يتيح فرصاً متكافئة للتنافس بين الأحزاب، بما يعكس حقيقة الخريطة السياسية والاجتماعية.
بعض قيادات الأحزاب طالبت بمراجعة التقطيع الانتخابي الحالي بما ينسجم مع المعطيات التي أفرزها ا إحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، ما رأيكم؟
أعتقد أن مراجعة التقطيع الانتخابي بناءً على نتائج إحصاء السكان والسكنى لسنة 2024 يُعد مطلباً مشروعاً ومبرراً من الناحية الديموغرافية، ويكمن أساسيًا في أن هذه المعطيات توفر إطارًا موضوعيًا لتحديث تمثيلية الدوائر الانتخابية بما يتناسب مع التغيرات السكانية الحاصلة في العقد الأخير.
لمَ تُصبح المراجعة مهمة؟
- أظهرت النتائج أن عدد سكان المغرب بلغ حوالي 36.83 مليون نسمة في غشت/شتنبر 2024، بزيادة تفوق 8.8 ٪ مقارنة بإحصاء 2014، مع تركّز 71 ٪ من السكان في خمس جهات كبرى مثل الدار البيضاء–سطات والرباط–سلا–القنيطرة وسوس–ماسة (
- هذه التفاوتات تستدعي إعادة توزيع المقاعد داخل دوائر أكثر عدلاً، وتجنّب اقتيات بعض المناطق على تمثيلية الآخرين.
الانعكاسات المتوقعة على التقطيع الانتخابي:
- ضبط حجم المقاعد بالنسبة للكثافة السكانية: يجب زيادة المقاعد للجهات التي سجلت ارتفاعًا كبيرًا في عدد السكان، مما يعزز مبدأ المساواة بين الناخبين.
- حد من اختلالات تمثيلية المناطق: مثل بعض الجهات ذات النمو المنخفض أو الركود قد تشهد تخفيضًا أو تثبيتا لعدد مقاعدها، بصيغة عادلة.
- مطابقة طبيعة الدوائر للتركيبة السكانية الجديدة: لا سيما في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء (حوالي 7.69 مليون نسمة)، طنجة أو فاس، لضمان تمثيلية متوازنة داخل كل دائرة (
- الأسس التي يجب اعتمادها في المراجعة:
- الشفافية والمشاركة: ينبغي أن تُعرض المقترحات على المشاورات السياسية والمؤسساتية (الأحزاب، المجتمع المدني، الخبراء)، وضمان إشراف هيئة مستقلة أو لجنة متعددة التمثيل.
- الاستدامة: التعديلات يجب أن تكون مدروسة بحيث لا تُكرر غيها بسرعة، لتجنّب إثارة الالتباس لدى الناخبين.
- الحياد السياسي: أي تعديل يجب أن يُقيّم وفق معايير موضوعية بحتة، وليس لمصالح حزبية أو جهوية ضيقة.
