نشرت وزارة الاقتصاد والمالية في 31 أكتوبر المنصرم، المسودة الأولية لمشروع قانون يهدف إلى تنظيم الأصول المشفرة (Crypto-actifs)، وهو ما يمثل نقلة نوعية في معالجة قطاع ظل حتى الآن خارج الإطار القانوني.
ولأول مرة، يضع نص تشريعي مغربي تعريفًا واضحًا وشروطًا محددة لممارسة الأنشطة المرتبطة بالعملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثيريوم والعملات المستقرة، مع تحديد قواعد واضحة للحوكمة والشفافية لحماية المستثمرين.
ويُعد هذا المشروع خطوة تأسيسية نحو وضع إطار قانوني شامل يتوافق مع المعايير الدولية التي وضعها فريق العمل المالي (GAFI) واللائحة الأوروبية MiCA، بهدف ترسيخ الثقة وتأمين هذا السوق المتنامي.
محاور أساسية للإطار التنظيمي الجديد
يرتكز مشروع القانون على عدة محاور رئيسية، حيث إنه يحدد مقدمي خدمات الأصول المشفرة ومصدري الرموز كجهات رئيسية مخولة بالعمل.
كما يفرض القانون نظام ترخيص إلزاميًا على أي منصة تداول أو مُقدِّم خدمات يرغب في عرض خدماته للجمهور، ويُطلب من هؤلاء الفاعلين الامتثال لمتطلبات صارمة فيما يخص الأموال الخاصة، ونظام الحوكمة، والامتثال التنظيمي.
وتعكس هذه التوجهات رغبة السلطات في تجنب انزلاقات هذا السوق الذي لا يزال فتيًا، ولكن قد يحد هذا، حسب بعض المراقبين، من وصول الشركات الناشئة المحلية ويقيد الابتكار في التكنولوجيا المالية.
بالإضافة إلى ذلك، يحدد القانون متطلبات صارمة للشفافية والإفصاح المتعلقة بإصدار الأصول المشفرة وعرضها العام وتداولها، ويفرض التزامات حماية العملاء، وإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (LCB-FT)، ويمنح صلاحيات الإشراف والرقابة للسلطات المختصة.
الهدف المعلن من كل هذه الإجراءات هو ثلاثي الأبعاد: حماية المستثمرين، وضمان نزاهة السوق، والحفاظ على الاستقرار المالي للبلاد.
تحديد النطاق.. تركيز على الرموز النفعية والمستقرة
في تطبيقه العملي، يركز مشروع القانون بشكل أساسي على الرموز النفعية التي تمنح حق الوصول إلى سلعة أو خدمة يقدمها المُصدِر، وعلى الرموز المدعومة بأصول (Stablecoins) المصممة للحفاظ على قيمة مستقرة.
على الجانب الآخر، يستثني المشروع أنشطة أخرى من نطاقه التنظيمي حاليًا، مثل التعدين (Mining)، والتمويل اللامركزي (DeFi)، والرموز غير القابلة للاستبدال (NFT)، أو الأصول الرقمية الأكثر تعقيدًا.
وقد أشار محللون إلى أن هذا النطاق المحدود قد يخلق فجوة بين طموح دعم الابتكار الرقمي وصرامة الإطار التنظيمي.
إطار دولي وتاريخي للجهود المغربية
تأتي هذه الخطوة استجابة لدعوات المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي (FMI) وبنك التسويات الدولية (BRI) ومجلس الاستقرار المالي (FSB)، التي تطالب الدول بتنظيم هذا السوق للمواءمة بين الابتكار والأمان.
ويلزم فريق العمل المالي (GAFI)، عبر توصيته رقم 15، الدول الأعضاء بدمج الأصول المشفرة في آليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع التركيز على تتبع وتحديد هوية التدفقات.
في المغرب، بدأت عملية التفكير في التنظيم منذ عام 2022، بتشكيل فريق عمل مشترك بين الوزارات لتقييم المخاطر والفرص.
كان الهدف هو بناء إطار قانوني واضح، قادر على مواكبة تصاعد الاستخدامات مع حماية المستخدمين والنظام المالي، ويمثل مشروع القانون هذا تتويجًا لجهود هذا المسار.
الآفاق والتحديات
تطمح النسخة الحالية من النص إلى تشجيع ظهور فاعلين مرخصين جدد، يقدمون خدمات آمنة لعملائهم.
يمكن لهذه المؤسسات أن تقدم خدمات متنوعة مثل حفظ وإدارة الأصول المشفرة، واستغلال منصات التبادل، والبيع أو الشراء مقابل العملة القانونية، وإدارة المحافظ الرقمية.
ستخضع جميع هذه الأنشطة لإشراف دقيق من السلطات المالية لتجنب الانحرافات وضمان شفافية العمليات. يرى المستثمرون المؤسساتيون أن هذه المبادرة هي تقدم هيكلي يعزز الثقة ويجذب الشراكات الدولية.
ومع ذلك، يجد الفاعلون الأصغر (الشركات الناشئة ومطورو حلول البلوكشين) أن المتطلبات الاحترازية العالية والعملية المعقدة للحصول على الترخيص قد تشكل عائقًا كبيرًا أمام دخول السوق.
هذا وتسعى الحكومة إلى تحقيق توازن دقيق بين التقنين والابتكار، في هذا المجال الذي يستقطب اهتمامًا متزايدًا في المغرب من مستخدمي البيتكوين والإيثيريوم وUSDT وغيرها.
وفي حال اعتماده، سيصبح المغرب أحد أوائل البلدان الأفريقية التي تتبنى إطارًا شاملاً لتنظيم الأصول المشفرة.
إدريس لكبيش/ Le12.ma
