المغرب ليس مجرد نقطة على الخريطة بالنسبة لهم، بل هو شعور يومي، وذاكرة حية، ورائحة بيت، ولهجة أمّ، وحنين لا ينقطع.
المغرب يسكنهم في الغربة، يرافقهم في تفاصيل حياتهم، ويظل حاضراً في وجدانهم مهما ابتعدت المسافات.
* محمد واموسي
من يروج اليوم لفكرة أن مغاربة الخارج قاطعوا وطنهم هذا العام، إمّا يفتقد إلى المعرفة الحقيقية بمدى تعلق هؤلاء المهاجرين ببلادهم، وإمّا يهدف، عن وعي أو عن غير وعي، إلى تمرير رسائل أخرى لجهة ما باستخدام ورقة مغاربة الخارج .
الحقيقة التي يعرفها كل مغربي، داخل أو خارج البلاد، أن الجالية المغربية من أكثر الجاليات في العالم ارتباطًا وجدانياً وحضارياً بوطنها الأم.
المغرب ليس مجرد نقطة على الخريطة بالنسبة لهم، بل هو شعور يومي، وذاكرة حية، ورائحة بيت، ولهجة أمّ، وحنين لا ينقطع.
المغرب يسكنهم في الغربة، يرافقهم في تفاصيل حياتهم، ويظل حاضراً في وجدانهم مهما ابتعدت المسافات.
صحيح أن هناك موجة غلاء طالت كل شيء، من أسعار المواد الأساسية داخل المغرب، إلى تكاليف السفر وتذاكر الطيران التي شهدت قفزات غير مسبوقة.
هذه الظروف الاقتصادية القاسية حرمت بالفعل شريحة واسعة من أبناء الجالية من زيارة الوطن هذا العام، لكن هذا الغياب الجسدي لا يعني، بأي شكل من الأشكال، غياب الارتباط أو انقطاع صلة الرحم.
القلوب ما زالت متصلة، والمكالمات، والتحويلات المالية، والدعم المعنوي والمادي للأهل، كلها جسور لا تنقطع.
علينا أن نتذكر أن موجة الغلاء ليست حالة محلية، بل ظاهرة عالمية منذ جائحة كوفيد-19، تفاقمت أكثر مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من أزمات طاقة وارتفاع تكاليف النقل والشحن.
ما يعيشه المغرب اليوم يعيشه العالم بأسره، من باريس إلى نيويورك ومن الدار البيضاء إلى سيدني.
المغربي قد يغضب، وقد يحتج، وقد يرفع صوته ضد بعض الظواهر السلبية في وطنه، وهذا حق مشروع، بل دليل على غيرته على بلاده. لكن أن يقاطع وطنه؟ هذا أمر مستحيل. فالمغرب بالنسبة لأبنائه في الخارج ليس مشروعاً سياسياً أو مصلحة عابرة، بل هو هوية وانتماء ودم يسري في العروق.
إن محاولات تصوير مغاربة الخارج وكأنهم استداروا عن وطنهم، ليست إلا قراءة مجتزأة أو خطاباً مبنياً على هوى أو غرض.
الواقع أن الجالية المغربية، رغم كل التحديات، ما زالت تمد جسور المحبة والعطاء نحو وطنها، وستظل كذلك، لأن علاقة المهاجر المغربي بوطنه ليست رهينة ظرف اقتصادي أو موسم سياحي، بل هي ارتباط أبدي لا تمليه الظروف ولا تحدّه الحدود.
قد تغلق المطارات، وقد ترتفع الأسعار، وقد ترهق المسافات، لكن لا شيء في هذا الكون قادر على إغلاق أبواب القلوب التي تسكنها رائحة الوطن.
*كاتب صحفي
