أسلمت المذيعة القديرة المتقاعدة السيدة «ليلى» اليوم الجمعة الروح لبارئها، بعد مسار حافل في خدمة الانسان والانسانية من وراء المكرفون امتد لنصف قرن من الزمن. 

وقد نعت عدد من الوجوه الاذاعية من مختلف الاجيال الرحيل الابدي لمذيعة بادلت الجمهور الحب بألف حب، فكانت بحق «ملكة» القلوب.

السيدة «ليلى»، وإسمها الحقيقي، مليكة الملياني، رأت النور  عام 1939 في المدينة القديمة في مكناس، بالضبط في «درب الحمام»، قبل ان تنتقل الى الرباط بعد مسار دراسي ناجح وتلتحق بالرعيل الاول المؤسس للإذاعة الوطنية.

منذ عام 1958، تاريخ جلوسها لاول مرة وراء المكرفون الى عام 1998، تاريخ تقاعدها، ظلت السيدة «ليلى» متربعة على عرش قلوب المستمعين، حتى وافتها المنية اليوم الجمعة.

في التقرير التالي الذي سبق أن اعده الزملاء في التجديد سابقا ونشر في غشت من عام 2013،  نتعرف على أسرار وخبايا من حياة السيدة «ليلى»  كما حكتها من داخل بيتها العائلي في العاصمة الرباط. 

في بيت السيدة «ليلى»

وسط العاصمة الرباط، تقطن السيدة «ليلى»، قريبة من مكان كان إلى وقت قريب مقر عملها بالإذاعة الوطنية، تقدم برامج خاصة بالمرأة والأسرة منذ سنة 1958، وكانت لها الريادة في هذا المجال الذي لم تسبقها له امرأة أخرى غيرها. 

إنها بحق إحدى الوجوه النسائية الإعلامية التي شنفت آذان المستمعين بنصائحها وباستضافتها لعلماء ومختصين في مجال المرأة والأسرة قبل أن يصاب المتلقي المغربي بتخمة البرامج التي تبث عبر مختلف الإذاعات والقنوات الفضائية ومواقع الأنترنت التي تعج بها كل بقاع الدنيا التي أصبحت قرية صغيرة. 

السيدة ليلى كما يعرفها الجميع، لكنها في الحقيقة مليكة الملياني، وللتسمية قصة حكتها السيدة أثناء ضيافتها ببيتها بالرباط. 

كانت الصالة التي استقبلتنا بها السيدة «ليلى» كرواق فني، يضم مجموعة من الصور التي تذكر بكل حقبة تاريخية عاشتها السيدة مليكة الملياني. 

كانت هناك صورة تذكارية بالأبيض والأسود فيها السيدة ليلى تتزعم تظاهرة ضد الحكومة الفرنسية إبان الاستعمار الفرنسي للمغرب، وهذه الصورة تعتبر حسب مضيفتنا بمثابة تعبير عن دور المرأة في الحركة الوطنية والحراك السياسي وقت الاستعمار، وهي أيضا تعبير عن شجاعة وجرأة السيدة مليكة ودورها القيادي ليس في العمل السياسي فقط وإنما دورها بالمجتمع كربة بيت ومرشدة ساعدت الكثير من النساء المغربيات على تخطي مجموعة من الصعاب والمشاكل العائلية.

تكريم في زمن إدريس البصري 

بإحدى جنبات البيت توجد صورة تذكارية مع وزير الإعلام سابقا ووزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري، وصورة مع جلالة الملك محمد السادس في حفل تكريمها، إلى جانب شواهد تذكارية وجوائز تقديرية من جهات مختلفة سواء من جمعيات أو في ملتقيات فنية تشيد بالعمل الايجابي التي لعبته السيدة ليلى في إنجاح الأسرة المغربية وترميم كل بيت كان سينتهي بالطلاق أو الفراق نتيجة خصومات ومشاكل عائلية تستدعي تدخلا بإصلاح وتوعية وتحسيس لكلا أطراف العلاقة الزوجية.

ازدادت السيدة ليلى سنة 1939 بمكناس من أم مغربية تفانت في خدمة بيتها وأبنائها وأب محافظ ومنفتح في الوقت نفسه عرف كيف يوازن بين الضبط والحرية المسؤولة لأبنائه.

كان الإعلان الذي قرأته بجريدة العلم سبب تقدمها للعمل بالإعلام والالتحاق بالإذاعة سنة 1958، حيث أشرفت على برنامج الأسرة و برنامج للنساء فقط ثم برنامج دنيا المرأة وعالم المرأة وركزت على طرح ومناقشة قضايا المرأة مما ساعدها على كسب ثقة المرأة المغربية واهتمام مجموعة من نساء المغرب بتتبع برامجها. 

زوج كريم وراء النجاح 

السيدة ليلى بصفتها صحافية وأما ساهمت في توجيه أجيال ولو بطريقة غير مباشرة، هي أم لخالد وطارق رزقت بهما من زوج كثير العطاء وصادق في حبه لها ساعدها أيضا في مسارها العملي وعمل بمنظومة وراء كل رجل عظيم امرأة لكن بوجه أخر هو وراء كل امرأة عظيمة رجل.

أثنت السيدة مليكة الملياني على زوجها الذي فارق الحياة فجأة بسبب أزمة قلبية وهم في سفر عطلة بشمال المغرب، أصيبت بعدها السيدة بصدمة على فراق زوج كريم شاطرها اهتماماتها وكان يحترم اختياراتها ويثق بها ويسهل الطريق أمامها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تألق ونيل لحب الجمهور المغربي الذي يتابع برامجها بشغف ويتصل شاكرا أو شاكيا لها.

تعتز مليكة الملياني وهي المتقاعدة عن العمل، بمسارها العملي رفقة زملاء يبادلونها الاحترام والتقدير ومسؤولين يقدرون لها عطاءها وجمهور كسبت ثقته مما جعله يبث لها همومه وأدواءه لعلها تجد بين يدي مختصين علاجا لهذه الأدواء الأسرية والاجتماعية. وتعتز أيضا بإنارتها لطريق المرأة عبر تقديم برامج عرفت تطورا بتطور الزمان والأوضاع التي مرت منها المرأة المغربية خصوصا والمرأة في العالم عموما.

وتعتبر المتحدثة مسؤولية العطاء للأسرة والمرأة المغربية عبر وسائل الإعلام المختلفة أمانة في عنق حاملات المشعل من الصحافيات الصاعدات، موصية إياهن بالالتزام بالجدية ومراعاة أهمية مؤسسة الأسرة.

وعن أسرتها الخاصة وأثرها فيها، أعلنت الملياني بداية عن اعتزازها بنشأتها في ظل أسرة من أم مكافحة ومخلصة لزوجها وأسرتها وخادمة متفانية تقدم الطعام وتخيط الملبس وتخدم الزوج وتوجه الأبناء وتعلم الأخلاق العالية.

كما تعتز مليكة أيضا بكونها حظيت بشرف الزواج من رجل يقدر المرأة الصحافية رغم صعوبة هذه المهنة المعروفة بمهنة المتاعب، معتبرة أن التقدير والاحترام يجب ان يكون متبادلا بين الزوجين وأن يتفهم كل واحد ظروف عمل شريكه ويتعاون معه لتحقيق ذاته والرقي في مجاله.

قصة تسميتها بالسيدة ليلى

أما عن قصتها تسميتها بالسيدة ليلى، فلكونها رزقت بأبناء ذكور ولم ترزق ببنت، فاختارت أن تسمي نفسها بالسيدة ليلى معتبرة برامج الأسرة بمثابة ابنة لها رعتها حق رعايتها حتى تقاعدت عن العمل مقدمة خدمة جليلة للأسرة المغربية من خلف الميكروفون.

وتعتز أيضا بأبنائها وأحفادها الذين زينت بعض جدران بيتها بصورهم.

تعترف مليكة الملياني للمرأة المغربية بالتألق والتفوق في مختلف المجالات داعية إياها إلى التشبث بالهوية المغربية  والحافظ على الأخلاق العالية، أي مهنة كانت وأينما حلت وارتحلت لأنها تمثل الوجه المشرق للمغرب العزيز.

وتشكر السيدة مليكة جمهورها الذي تعتز بوفائه لها وتقديره لها وثقته بها.

رحلت وقد تركت مذكراتها التي ستكشف عن الوجه الآخر للسيدة ليلى التي عرفها الجمهور المغربي خلف المذياع منذ سنة 19 58 إلى سنة 1998 سنة حصولها على التقاعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *