قال محمد الساسي، عضو المكتب السياسي لفيدرالية اليسار الديمقراطي، إن الفضاء الحزبي المغربي يعرف اليوم ميلا متزايداً نحو تقبّل السيادة الملكية.

ولم يوضح الساسي ماهية السيادة الملكية التي تحدث عنها، وإن كان السياق، يؤكد أن قصده موقع الملكية كما هي في الوثيقة الدستورية لدستور 2011.

وأكد خلال ندوة وطنية نظمها أخيرا، فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري بكلية الحقوق السويسي بالرباط، بأن الفارق في الماضي لم يكن بين يمين ويسار، بقدر ما كان بين أحزاب تتفادى اتخاذ مواقف مناقضة للتوجهات الملكية، وأخرى تربط الديمقراطية بما تعتبره خصوصية وطنية ودينية.

وأوضح، أن هذا التصور يتباين مع الفلسفة السياسية التي أفرزتها الثورة الفرنسية، لكنه في المقابل شدد على أن التجربة المغربية أثبتت إمكانية التوفيق بين الملكية والديمقراطية، مما أفرز صيغة توافقية للملكية البرلمانية.

واستحضر الساسي بعض المحطات التي شكّلت استثناءات داخل النظام الحزبي، من بينها موقف الاتحاد الاشتراكي الرافض لقرار الملك الراحل الحسن الثاني وقف “المخطط التنموي” في الثمانينيات، إلى جانب اختلاف تصورات عدد من القوى السياسية حول مفهوم الاشتراكية.

وسجّل أن الأحزاب المغربية انتقلت من منطق “الحكم” إلى منطق “المشاركة والتدبير”، إذ صار الهمّ الأساسي لعدد كبير منها هو ضمان وجودها داخل الحكومة، حتى ولو تطلب الأمر التنازل عن ملفات اعتبرتها سابقا جوهرية، مثل موضوع التطبيع الذي لم يعد يثير النقاش ذاته.

كما نبه إلى أن أحزابا كانت توصف بـ“أحزاب الإدارة” بدأت تعيد هيكلة نفسها وتكييف برامجها مع توجهات الدولة، بعد أن كانت في السابق لا تعترف بوجود أزمة دستورية، قبل أن تصوّت بالإجماع على دستور 2011 في سياق توافقات جديدة.

وأشار الساسي إلى أن الخريطة السياسية لم تعد تقوم على ثنائية اليمين واليسار، بل أصبحت ترتكز على ثلاثية تضم التيار الإسلامي.

وأبرز أن صعود الإسلاميين يعود في جزء منه إلى إخفاق المشروع القومي–الاشتراكي بالمنطقة، وإلى قدرتهم على مخاطبة الرأي العام رغم هشاشة نموذجهم الأخلاقي الداخلي.

وفي قراءته للمشهد الحزبي الراهن، رصد الساسي تنامي حضور قيادات شعبوية تعتمد خطاب المظلومية والتهكم وربما اللامسؤولية، وهو ما اعتبره امتدادا لموجة عالمية غيّرت صورة القائد السياسي التقليدي.

كما توقف عند التبدلات الكبرى التي طالت منطق التحالفات، إذ باتت التحالفات تقوم على الظرفية أكثر من الروابط الإيديولوجية أو الانتماء السياسي.

وأوضح أن الممارسة السياسية انتقلت من منطق الوطنية والإيديولوجيا إلى منطق البراغماتية، حيث تخلّت أحزاب عديدة عن خطاب الثورة والنضال لصالح خطاب التكيّف والبحث عن الواقعية، مقابل صعود الفاعل الديني والشعبوي وتراجع التنظيمات التقليدية لفائدة حركات احتجاجية غير حزبية.

وتطرق الساسي كذلك إلى تغيّر مصادر القوة داخل المشهد السياسي، إذ أصبحت القرب من مركز القرار السياسي أحد المفاتيح الأساسية لاكتساب النفوذ، مما دفع الأحزاب إلى بناء تحالفات غير تقليدية قائمة على اعتبارات ظرفية.

وأكد أن التماهي بين القوى الحزبية بات واضحا، بينما بقيت القيم الملكية والديمقراطية أرضية مشتركة رغم تباين البرامج.

وكشف عن تغيّرات اعتبرها عميقة وجذرية تشهدها الساحة السياسية المغربية، مؤكدا أن هذه التحولات مست القيم التي توجه المواقف الحزبية وأعادت تشكيل بنية المشهد السياسي برمّته.

وخلص الساسي مداخلته إلى بالتأكيد على أن هذه التحولات تمثل مؤشرات على دخول المغرب مرحلة جديدة تتجه نحو مزيد من الاستقرار السياسي، داعيا في الوقت نفسه إلى التفكير في الأسئلة المطروحة حول مستقبل تطوير التجربة الديمقراطية في البلاد.

يشار إلى الساسي، أكد خلال هذه الندوة وفق تغطية موقع fgd، لمداخلته، أنه يعبّر عن آرائه بصفة شخصية، مشيرا إلى أن فيدرالية اليسار ليست سوى “نواة أولى” لمرحلة سياسية مستقبلية سيقودها الجيل الجديد.

*محمد الركيبي le12

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *