محمود الرحبي*

من أبجديات العمل التلفزيوني أنّ برنامجا يوميا يستقبل ضيوفا مختلفين يجب أن يتمتع بتنظيم كبير، لكنّ ما رأيتُ اليوم في التلفزيون العماني من “فوضى” في الإدارة حد الغياب لا يتاسب إطلاقا مع ما عاينتُ من إمكانات وأستديوهات وتجهيزات ضخمة تضاهي ما يتوفّر لأكبر القنوات في العالم وأعتاها وأكثرها مهنية وانضباطا.
اتصل بي، منذ أيام، أحد معدّي برنامج “هنا عمان” (لن أذكر اسمه) طالبا مني الإسهام في البرنامج بفقرة مدتها ربع ساعة، وقد تعاملتُ مع الأمر بما ينبغي من عناية ودقة وطلبت منه أن يبعث إلي محاور اللقاء حتى لا يمر عفويا “مضببا”.. تبادلنا المعلومات، ثم أرسل إلي محاور اللقاء السبعة..
وصلت مبكرا فسألت عن المعدّ، الذي كان ينسّق معي فقيل لي إنه غير موجود، وتغاضيتُ عن المسألة، فهذا أمر يحدث.. دخلت الأستوديو فوجدت سيدة حضرت قبلي، وحين جاء دورها في الفقرة أخذت راحتَها كاملة في التحدّث بما يعنّ لها. في خضمّ ذلك، اقترب مني المخرج وقال لي بعدها سيأتي دورك. لكنْ خلال انتظار دوري دخل اثنان (طبيب وطبيبة، على ما أظن) فقال لهما سيكون دوركما الآن! استغربت تجاهله لي، لكني قدّرت الموقف. تدخّلَ الطبيب والطبيبة وأخذا راحتهما في الكلام تماما. طال حديثهما أكثر مما ينبغي أو يُفترض، وحين وجدت فرصة للتحدّث إلى شخص حضر بعدي، عرفت إنه فنان عراقي واسمه عمر بشير، فقلت له : أعرف منير بشير، فقال لي إنه والدي.. وفي اللحظة التي هممتُ بأن أفتح معه حديثا حول بغداد واقتنائي أسطوانات لوالده (منير بشير) وعمّه، جميل بشير، جاءني المخرج وقال لي، بسرعة، ” الآن حان دورك”. فأدركت أن الذين قبلي، -وكان لا يصلنا إلا أصوات خافتة من حديثهم وأظنه كان عن أمور صحية- قد أنهوا فقرتهم، فاستأذنت من الفنان، الذي كان يحمل عودا ويرافقه زملاء عمانيون.
لكنّ المفاجأة كانت مربكة بعدما لاحظتُ أن المذيعة “تقفز” على المحاور السبعة -وهي في حوزتي- كما أنها تختصر الوقت بكيفية عجيبة (يمكن الرجوع للقاء للمقارنة بين الذين قبلي والذي بعدي) وقد أزعجني هذا الأمر كثيرا، فانسحبت بهدوء لأشق طريقا طويلا بمثابة سفر ليليّ كئيب، فكّرتُ خلاله كيف أن المذيعة استهانت بوقتي لصالح الضيف وكيف أن “الأدب” -وهذا هو الأمرّ- لا قيمة له في إعلامنا وأنه مثل البهار على الطعام.
ولا أهمية حتى لسبب اللقاء الذي جئت من أجله.
***
