لقد ضرب ابن طفيل مثالًا خالدًا في تاريخ الإنسانية في نُبل العلماء وتواضعهم، والاعتراف بقيم الكفاءة والإبداع والاستحقاق—وهي قيم نحن، في جامعاتنا وبلدنا، في أمسّ الحاجة إلى ترسيخها وتكريسها. 

الدكتور – محمد حركات 

آه! لو عرف القائمون وطلبة خريجي مدرسة التجارة بالقنيطرة، التي تحمل جامعتهم اسم ابن طفيل (1110–1185)، حياة هذا الرجل ورمزيته—الشخصية البارزة في العصر الذهبي للفلسفة الإسلامية في الأندلس—وعلاقته بابن رشد، لاختاروا فقرات احتفال تخرجهم (المشروع) بعناية أكبر لتكريم هذا الرمز، في هذا المقام الجلل.

كان الأجدر أن يُحتفل بابن طفيل، ولو بمسرحية بيداغوجية أنيقة (وإن على سبيل الارتجال)، في بداية الحفل أو أثناءه أو في ختامه، توثق وتخلّد حياة الفيلسوف، والطبيب، وعالِم الرياضيات، وملهم سردية “حي بن يقظان”، ابن طفيل، الطبيب الخاص للخليفة أبي يعقوب الموحدي، حاكم الأندلس والمغرب آنذاك.

لقد ضرب ابن طفيل مثالًا خالدًا في تاريخ الإنسانية في نُبل العلماء وتواضعهم، والاعتراف بقيم الكفاءة والإبداع والاستحقاق—وهي قيم نحن، في جامعاتنا وبلدنا، في أمسّ الحاجة إلى ترسيخها وتكريسها. 

فقد قدّم ابن رشد للخليفة المهتم بدوره بالفلسفة والعلوم، ليقوم بشرح وترجمة أعمال أرسطو (384–322 ق.م). 

وقد تأثر ابن رشد بدوره بأعمال ابن طفيل، خاصة في تناوله موضوعات مثل الوجود والروح والمعرفة.

لو تدارك المنظمون هذا البعد في لحظة حفل تخرجهم، لساهموا في الارتقاء بتقاسم عبق التاريخ والفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية في رحاب جامعتهم ومدرستهم، إلى أعلى درجات السمو بثقافة الاعتراف، التي تثمر تهذيبًا للنفوس وتوسيعًا للمدارك، خصوصًا في لحظات الفرح.

إن جامعاتنا اليوم في أمسّ الحاجة إلى الإبداع في تدريس الإنسانيات والفنون للنشء، لأن منظومة التفاهة، كما كتب الكواكبي، “ترتعد من الحكمة النظرية، والفلسفة، والتاريخ، والخطابة الأدبية والفنية، ونحو ذلك من فروع الإنسانيات التي تُكَبّر النفوس وتُوسّع العقول والخيال”. 

فلا ديمقراطية حقيقية في بناء شخصية الطالب دون تدريس الإنسانيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *