شهد الدين العمومي بالمغرب خلال الفترة 2011–2024 ارتفاعاً تدريجياً جعل منه أحد أبرز أدوات تمويل الاقتصاد الوطني.
فقد انتقلت نسبته من حوالي 53% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2011 إلى ما بين 69% و72% في السنوات الأخيرة، نتيجة توسع دور الدولة في الاستثمار العمومي واستجابتها للأزمات الداخلية والخارجية.
الدين الداخلي كان له مسار تصاعدي: من نحو 370 مليار درهم سنة 2011 إلى حوالي 780 مليار درهم سنة 2024.
ارتفعت المديونية أولاً مع تداعيات الربيع العربي وارتفاع الإنفاق الاجتماعي، ثم عرفت قفزة قوية سنة 2020 بسبب كلفة الإجراءات المرتبطة بجائحة كوفيد-19، واستمر منحى الارتفاع خلال 2022–2024 تحت تأثير التضخم العالمي والجفاف وتوسّع برامج الاستثمار العمومي.
حوالي ثلاثة أرباع الدين العمومي هو داخلي، وهو ما يقلل من المخاطر المرتبطة بسعر الصرف، بينما يبقى الدين الخارجي محدوداً وميسّر الكلفة لكونه مصدره مؤسسات تمويل دولية.
هذه البنية سمحت بالحفاظ على استدامة التمويل رغم تزايد المديونية. ويُستخدم الدين أساساً في تمويل مشاريع ذات طابع استراتيجي في مجالات البنية التحتية والطاقة والماء والتعليم والصحة، مع استثمارات عمومية بلغت 335 مليار درهم في 2024 و340 ملياراً في 2025.
ورغم الضغط المتزايد لخدمة الدين، حافظ الاقتصاد على وتيرة نمو معتدلة تتراوح بين 3% و3.5%، مع توقع ارتفاعها إلى نحو 4.5% سنة 2025 إذا استمرت دينامية الصناعة والطاقة والخدمات.
فعالية الدين لا تُقاس بحجمه، بل بمدى مساهمته في توليد إنتاجية إضافية وعائدات ضريبية مستدامة.
وكالات التنقيط الائتماني أكدت هذه القراءة. فقد رفعت Standard & Poor’s تصنيف المغرب إلى BBB- سنة 2025، وأبقت Fitch على تصنيف BB+ وMoody’s على Ba1 بنظرة مستقرة، معتبرة أن مستويات الدين تبقى قابلة للتحكم بشرط الحفاظ على الانضباط المالي.
يُظهر المسار المالي المغربي أن الدين العمومي، رغم ارتفاعه، ظل أداة مركزية لتمويل النمو والاستثمار دون تهديد مباشر للاستقرار الماكرو اقتصادي للبلاد.
التحدي المقبل يتمثل في تعزيز كفاءة الإنفاق وربط كل درهم اقتراض بعائد اقتصادي واجتماعي ملموس لضمان استدامة الدين وثقة الأسواق في المدى المتوسط.
* الدكتور إدريس الفينة خبير في الاقتصاد السياسي
