أثارت الخطبة الموحّدة لصلاة الجمعة ليوم 12 دجنبر 2025، التي خصصت لموضوع “الحرص التام على احترام اختيارات الأمة والقوانين المنظمة للحياة”، ردود فعل قوية في صفوف عدد من العلماء والفاعلين ذوي المرجعية الإسلامية في المغرب، بسبب ما اعتبروه “توظيفاً للدين لتزكية القوانين الوضعية”.

مضمون الخطبة الرسمية

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أكدت في الخطبة الموحّدة أن الالتزام بالقوانين الوطنية جزء من التدين الصحيح، وأن هذه التشريعات تمثل “صيغا حديثة لأحكام فقهية” هدفها حماية الضروريات الخمس: الدين، النفس، العقل، العرض، المال.

كما شددت على أن العقد الاجتماعي المتمثل في الدستور والقوانين يعتبر “عقداً شرعياً وأخلاقياً” يوجب الالتزام به، وضربت مثالاً بقوانين السير باعتبار احترامها تجسيداً لمقاصد الشريعة في حفظ النفس والمال.

الكتاني.. “الخطبة تتضمن مغالطات”

هاجم الشيخ الحسن بن علي الكتاني الخطبة بشدة، معتبراً أنها: “تتضمن جملة من المغالطات الخطيرة والمعاني المناقضة لشرع الله”.

وأضاف، الخطبة، “تسعى لإقناع المسلمين بأن القوانين الوضعية الجاري بها العمل في المغرب هي عين الشريعة الإسلامية”.

وتابع في منشور له على فايسبوك:«الخطبة تمثل تلبيساً وتحريفاً للدين حين تُضفى الشرعية على قوانين وضعية لا تستمد أحكامها من المذهب المالكي ولا من بقية المذاهب الإسلامية».

وأضاف الكتاني أن المغرب ورث بعد الاستقلال “تركة من القوانين المخالفة للشريعة”، مذكّراً بمطالبة علماء المغرب منذ عقود بالرجوع إلى التشريع الإسلامي.
وختم بدعوة العلماء إلى “الجهر باستنكار هذا التوجه، لأن الخطر الأكبر هو إسباغ الشرعية الدينية على القوانين الوضعية الجاهلية”.

بن كيران.. “خطبة لغير عموم الناس”..

من جهته، اعتبر الباحث رشيد بن كيران أن لغة الخطبة تكشف أنها غير موجهة لعامة الناس، بل مكتوبة بمصطلحات فلسفية وأصولية “لا عهد للجمهور بها”، مثل العقد الاجتماعي والمقاصد وفلسفة القانون.

ورأى أن الرسالة الأساسية للخطبة هي: أن “تكريس فكرة أن القوانين الوضعية المغربية شرع وأن طاعتها واجبة تديناً”.

وكتب بن كيران في منشور له على فيسبوك: «هذاتعميم خطير يجعل كل ما تصدره الدولة من قوانين ـ بما فيها المخالفة للشريعة مثل تنظيم الزنا، رخص بيع الخمور، أو المعاملات الربوية ـ في حكم الشريعة”.

وخلص إلى القول: «الخطبة تمهّد لربط القانون بالدين ربطاً مزيفاً، وتساهم في تهيئة الرأي العام لقبول نموذج قانوني ذي طابع علماني، تحت غطاء ديني».

حامي الدين.. “الموضوع يحتاج نقاشاً علمياً لا خطبة مكتوبة”

من جهته، قال الجامعي، عبد العال حامي الدين إن العلاقة بين الشريعة والقانون “ليست علاقة تطابق تام ولا قطيعة”.

وأكد حامي الدين وهو قيادي في حزب العدالة والتنمية في منشور له على فايسبوك :«ليس كل القوانين مستمدة من الشريعة، وليس كلها مخالفة لها». وأضاف«هذا موضوع يحتاج تفصيلاً علمياً دقيقاً، ولا يصح أن يُطرح بهذه الصيغة في خطبة جمعة».

وانتقد عبد العال حامي الدين، إدراج مفاهيم معقدة مثل العقد الاجتماعي في خطبة “مفترض أن تكون بسيطة وواضحة”.

الخطبة الموحدة وخلفيات الجدل

يرى مراقبون أن الجدل الدائر يعكس صراعاً حول المرجعية التشريعية في المغرب، بين من يعتبر أن القانون الوطني يستمد شرعيته من الدستور ومنطق الدولة المدنية، ومن يرى أن الشريعة الإسلامية يجب أن تظل المرجع الحاكم لأي تشريع.

كما يبرز النقاش تخوفات لدى بعض العلماء من أن تكون الخطبة جزءاً من “استراتيجية لإعادة تشكيل المرجعية الدينية الرسمية”، عبر تقديم القوانين الوضعية باعتبارها امتداداً للشريعة.

ويبقى الجدل مرشحاً للتصاعد في ظل تمسك وزارة الأوقاف بخطبة موحّدة تتبنى مفهوماً حديثاً لطاعة القانون، مقابل رفض قوى إسلامية لاعتبار التشريعات الوضعية جزءاً من الدين.

وبين هذين الموقفين، تظهر الحاجة إلى نقاش عمومي واسع حول علاقة الدين بالقانون في المغرب، بعيداً عن التوظيف السياسي أو الانفعالات الدعوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *