مشاورات القصر الملكي مع الأحزاب حول تفصيل وتحيين مشروع الحكم الذاتي، حصرت من جديد البوليساريو ومن ورائها الجزائر في الزواية.

لقد فصحت تلك المشاورات، حقيقة تبعية قرار قيادة الجبهة لقصر المرادية لدى النظام في الجزائر ، وليس إلى القواعد المزعومة من الشعب الصحراوي الوهمي.

لذلك أعاد القيادي السابق في جبهة “البوليساريو”، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، في منشور له، تسليط الضوء على التباين العميق بين منهجية المغرب في تدبير ملف الصحراء، وبين الأسلوب الأحادي الذي لا يزال يطبع قرارات قيادة الجبهة الانفصالية.

ولد سلمى كتب على حسابه: “المغرب الملكي يجري مشاورات مع قواه الحية ويطلب آراءهم حول المقترح المحين الذي سيرفعه إلى الأمم المتحدة، وقيادة (الجبهة الشعبية)، تقر ما تشاء، ترفض وتقبل كيف تشاء، ولا تعود لمن تدّعي تمثيلهم إلا في حالة الاستعراضات الفلكلورية”.

هذه المقارنة البسيطة في ظاهرها، عميقة في دلالتها السياسية، إذ تكشف كيف تحولت المقاربة المغربية إلى نموذج في الانفتاح والتشاركية السياسية، في وقت تعيش فيه “البوليساريو” أزمة تمثيلية خانقة، تقصي فيها قواعدها عن أبسط أشكال المشاركة أو النقاش.

ففي المغرب، جاء الاجتماع الذي ترأسه مستشارو جلالة الملك محمد السادس، أمس الاثنين، بحضور زعماء الأحزاب الوطنية ووزيري الداخلية والخارجية، تجسيدا عمليا لتوجيه ملكي واضح يرمي إلى إشراك مختلف القوى السياسية في تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، في إطار السيادة المغربية، استنادا إلى روح القرار الأممي 2797.

وقد مثل اللقاء محطة جديدة في مسار ترسيخ الحكامة التشاركية التي دأب عليها جلالة الملك محمد السادس كلما تعلق الأمر بالقضايا الوطنية الكبرى، وهو ما يعزز شرعية الموقف المغربي على المستويين الداخلي والدولي.

في المقابل، لا تزال قيادة “البوليساريو”، كما يصفها ولد سلمى، تحتكر القرار السياسي والعسكري والإعلامي دون تفويض حقيقي من ساكنة المخيمات، التي تستعمل غالبا كواجهة دعائية في “استعراضات فلكلورية”، بينما يغيب عنها النقاش الحقيقي حول مستقبلها ومصيرها.
تحليل ولد سلمى، القادم من داخل التجربة الانفصالية ذاتها، يكتسب قيمة مضاعفة، لأنه لا يصدر عن خصم سياسي، بل عن شاهد سابق من الداخل عاش تفاصيل النظام التنظيمي المغلق للجبهة.

ومن هنا تكتسب مقارنته بعد يتجاوز التدوينة العابرة، ليطرح سؤالا عميقا “هل يمكن لجبهة تدعي تمثيل (الشعب الصحراوي) أن تفعل ذلك دون استشارة أو محاسبة؟”.

إن ما بين المقاربتين هوة من الشرعية والثقة. فالمغرب يراكم الشرعية من الإجماع الوطني والمؤسسات المنتخبة، بينما تعمق “البوليساريو” عزلتها من خلال التفرد والانغلاق.

وبهذا المعنى، فإن ما دونه مصطفى ولد سلمى ليست مجرد نقد، بل مرآة عاكسة لجوهر الأزمة داخل الجبهة، ومؤشر إضافي على أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي لا تستمد قوتها فقط من دعم الأمم المتحدة، بل من الإجماع الداخلي حولها، باعتبارها الحل الواقعي والنهائي لإنهاء معاناة المحتجزين في تندوف، ولم شملهم في وطنهم الأم، تحت راية المغرب الواحد.

إنه الفرق بين دولة الملوك في المغرب الصاعد، ودولة نظام « لعرايا»، في الجزائر كما يصفها الكاتب والمؤرخ الجزائري، المنفي في فرنسا، هشام عبود. أما البوليساريو، فالضرب في الميت خسارة على. أي الإخوة المصريين.

*عادل الشاوي-le12

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *