يونس التايب 

بدون مراوغة، هناك أسئلة كثيرة تطرح في ما يجري ويدور في واقعنا الحالي، بكل ما فيه من عجز متعدد الأوجه ومن مشاكل لا تحصى. كما أن هنالك عتمة في الأفق، إذ لا يبدو واضحا إلى أين نحن سائرون، في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتدبيرية. 

أسئلة كثيرة يطرحها المجتمع ولا أجوبة تتبلور بشأنها. هناك فقط إحساس بأن المتاح، في أشياء عديدة، لم يعد هو فهم أسباب ما يتم من اختيارات، وإنما فقط قبولها وتيسيرها، بلا سعي إلى فك شفرة المنطق الذي تتأسس عليه. ويبدو أن المهم أصبح، بصورة واضحة، هو أن تستمر ديناميكية عدة أمور في انسيابيتها، ولا ضرورة للإلحاح على أن تكون تشاركية كما يجب أو متوازنة كما يلزم أو متناسقة بما ينبغي. 

ومع ما يجري في واقعنا، أصبح استعمال العقل والمنهج المنطقي لتحليل وفهم الأشياء يؤدي بنا إلى خلاصات لا يستطيع أن يستوعبها ذلك المنهج والعقل نفسهما. لذلك نحتاج أن نعيد طرح أسئلة مجتمعية كبرى يفرضها الواقع والمنطق الذي أصبح سائدا فيه. ربما تعيننا الإجابات، إذا ما تمت بلورتها، على حفظ التناسق في فهمنا لبعض ما ينقصه التناسق في تجليات هذا الواقع.

ويبدو لي أن الأولوية هي إعادة إحياء أساسيات منهجية من المفروض أن تظلّ مؤطرة للتحرك المجتمعي وللتفكير وللفعل. إذ نحتاج، في مجمل قضايانا، إلى أن نفهم أنه ليست هناك إمكانية لإنجاز أي تقدم يذكر بدون رؤية إستراتيجية وطنية تتجسد قيمها في سلوكات وممارسات الأفراد والمؤسسات وتستحضر نقط القوة والضعف الموجودة في الذات المجتمعية وتعتمد نتائج تحليل كل الفرص والمخاطر الموجودة في واقعنا، وتستشرف الأفق بما فيه حقا من مشاكل وتحديات.

ولن يكون ممكنا قراءة الواقع واستيعاب تضاريسه وتشخيص “مطباته” بموضوعية، دون التجرد من ضغط المقاربات المعيارية ومن تكلس بعض القراءات المرجعية وتحنطها، ودون اعتماد آليات جديدة وتعبئة عقول مؤهلة. وفي كل البرامج، لا يمكن تحقيق أية أهداف بدون فرض نظام جاد لضبط حكامتها ومنع المفسدين من إفسادها، وبدون وضع منظومة لتتبع تنفيذها، وبدون تحديد آليات لتقييمها، وبدون تدبيرها مع العودة باستمرار لرصد الواقع وتحليل تغيراته واتخاذ ما يلزم للتصويب والتعديل.

وبالتأكيد، لا يمكن توقع نتائج جديدة مختلفة إذا ظل التعاطي مع معادلات الواقع ومع إشكالات تدبير الشأن العام الوطني بالمنهجية نفسها في التحليل والتدبير، واعتماد الفاعلين نفسهم والمدخلات نفسها، ووضع الفرضيات ذاتها، وعدم الحرص على ربط المسؤولية بالمحاسبة واستمرار عدم فتح الباب أمام الكفاءات وذوي الاستحقاق. 

كما لن يمكن تحقيق الغلبة للمصلحة العامة على الحسابات الضيقة للفئات وللأفراد، ولا ادّعاء خدمة الذات الجماعية بدون تلجيم النزوع المصلحي الضيق، والانخراط في مشروع واضح وتشاركي جامع لكل الطموحات ومحقق لها بمعيار سمو القانون على الجميع. 

وفي ظني، ليس هناك من مشروع جامع ومشترك أفضل من السعي إلى رفعة الوطن وتحقيق مصالح المواطنين وتمكينهم من كامل الحقوق بعدل ومساواة في الاستفادة من مجهود تدبير الموارد المتاح، بكيفية تقوم على مبدأ التضامن والتآزر، في الشدة كما في الرخاء. 

ولهذا الغرض يتعين إعادة ترتيب أولويات الاستثمار العمومي بكيفية تحفظ كرامات الناس وترفع عنهم الحيف والتهميش، في الصحة والتعليم وفرص التشغيل. كما يتعين تحقيق عصرنة آليات التدبير العمومي وتطوير الخدمات الأساسية وتنويعها لتشمل جميع المواطنين، خصوصا الضعفاء والفقراء وأبناء الطبقة الوسطى. كما يلزم إيلاء الشباب الأولوية القصوى وتمكينهم من المواكبة الاجتماعية والتكوين والدعم من أجل الإندماج المهني. ويحب منع أي سياسات عمومية تؤدي إلى تهميش مكون من مكونات الهوية الوطنية أو إقصاء للأفراد أو لمجالات جغرافية معينة.

بكل ذلك ستزول العتمة الضاغطة وستتجدد الثقة والتفاؤل ونصل إلى تمكين جميع أبناء هذا الوطن من حقهم في الرفاهية والترقي، بشرط العمل الجاد والاستحقاق والمواطنة الفاعلة والانضباط للقانون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *