يونس التايب
التنافس الاقتصادي و الجيوسياسي بين الدول أمر طبيعي موجود عبر التاريخ و سيظل كذلك. لكن، واجبنا هو أن ننتبه لمن يسعون إلى جعل ذلك التنافس شبيها بمنطق حرب عصابات، لا قيم فيها و لا أخلاقيات. و أن ننتبه لمن يبيحون لأنفسهم الضرب تحت الحزام، و يشنون بين حين و آخر، حملات تحريض ضد بلادنا في قضايا فرعية، لترويج الترهات و النفخ في كل حدث عادي بغرض الإساءة و محاولة النيل من مصالحنا أو من شعبنا ومؤسسات دولتنا.
و كي يفهم الجميع سر هذه الحروب الصامتة، و المخططات الجارية للتضييق على المغرب، يجب استحضار ما قامت به بلادنا خلال العشرين سنة الماضية، في ثلاثة محاور استراتيجية أساسية:
– أولا، اعتماد المغرب مجموعة من الاختيارات الاقتصادية الكبرى، و إحداث بنيات و تجهيزات مكنت من تطوير الاقتصاد الوطني و تعزيز تنافسيته، وتقوية جاذبية بلادنا للاستثمارات العالمية. و من التجهيزات الكبرى، أذكر هنا :
* الميناء المتوسطي بطنجة.
* ميناء الناظور.
* محطات الطاقة الشمسية و الطاقة الريحية.
* معامل صناعة السيارات الدولية بطنجة و القنيطرة.
* التموقع القوي في سلسلة القيمة لصناعة الطيران.
* تطوير منتجات الفوسفاط و تسويقها بفضل شراكات متينة في أسواق دولية كبرى بآسيا و أمريكا اللاتينية.
* بناء و تجهيز لوجيستيك صناعي بمعايير دولية استقطبت استثمارات هامة …
* توسيع شبكة الطرق السيارة.
* تحديث و تثنية الطرق، خاصة على مستوى أقاليمنا الجنوبية.
* تحديث شبكة السكك الحديدة، و إحداث الخط الفائق السرعة بين الدار البيضاء و طنجة، و بناء جيل جديد من محطات القطارات على مستوى كل المدن الكبرى.
* تحديث المطارات و توسيعها و إحداث بنيات جديدة … إلخ
– ثانيا، التحديث الكبير، و غير المسبوق، الذي عرفته القوات المسلحة الملكية و كافة المؤسسات الأمنية، سواء من حيث قدراتها المادية و اللوجيستيكية و تجهيزاتها، أو من حيث كفاءات عناصرها و خطط عملها و أنماط تدبير تحركاتها، بشكل أتاح لبلادنا تميزا أكثر و قوة جيوستراتيجية أكبر و إشعاعا معترفا به.
– ثالثا، الجهود الدبلوماسية التي رعاها جلالة الملك محمد السادس، و دفاعه عن حق شعوب و دول القارة الإفريقية في التنمية، و ترافعه من أجل شراكة استراتيجية بين دول الجنوب على قاعدة “رابح – رابح”، و بروز النموذج الروحي المغربي كمثال في حفظ مقومات الإيمان و التدين الصحيح و التصدى للغلو و التطرف.
هذه الاختيارات و المشاريع الاقتصادية، عززت قدرات بلادنا و قوت حضورنا الجيوستراتيجي، وساعدت في تخفيف الضغط الاجتماعي عبر توفير الألاف من مناصب الشغل. كما ساعدت الشراكات التي أبرمناها في عدة مستويات، خاصة في قطاع الفوسفاط و مشتقاته، في تعزيز مواقفنا الديبلوماسية و قدراتنا على الدفاع و الترافع عن مصالحنا الوطنية.
هذه العوامل مجتمعة أزعجت عددا من أصحاب المصالح الاقتصادية الدولية، و أغضبت كل من أرادوا رؤية بلادنا تخلي لهم الساحة، أو تصطف معهم في قضايا ومعارك لا خير فيها.
و من منطلق هذا الوعي، يتعين علينا أن نجعل الأيام المقبلة مرحلة تتميز ب :
– تجديد الوطنية المنضبطة لثوابت الأمة المغربية.
– تحديث منظومة تدبير الشأن العام لتحقيق التأهيل الشامل.
– تعزيز البناء الديمقراطي و المكتسبات المؤسساتية و الحقوقية.
– تمكين أبناء المغرب من شروط الولوج إلى عوالم المعرفة والبحث العلمي و التكنولوجي من خلال منظومة عصرية للتربية و التكوين.
– إبداع أنماط جديدة للإدماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والمعرفي للشباب و للفئات الهشة.
– سياسات اقتصادية تعطي الأولوية للمنتوج المغربي و تشجع المقاولة المغربية، و ترفع القيود البيروقراطية في وجه استثمارات الرأسمال الوطني المشبع بروح المسؤولية الاجتماعية، و تخلق فرص الشغل.
– حماية و تقوية الرأسمال البشري ليؤدي دوره بفعالية في ملحمة بناء مغرب الإقلاع الشامل.
و ستبقى روح الانتماء لهذه الأرض الغالية و الافتخار بأبناء شعبنا، وتعزيز الثقة في مؤسسات دولتنا، و الاستثمار في هويتنا و ثقافتنا المغربية بكل روافدها و مكوناتها الأصيلة، هي المقومات الكفيلة بحماية مكتسبات الوطن و إنجاح مسيرة التنمية بأفق استراتيجي يعيننا على صد كل شر يكيد لنا به المغرضون و المتربصون ببلادنا.
