حسن البصري
تمكنت المصلحة الولائية للشرطة القضائية في الرباط، من إلقاء القبض على “المقدم” الذي ظهر في مقاطع “فيديو” وهو يعنف الأساتذة المتعاقدين خلال وقفتهم الاحتجاجية بالعاصمة. تنفس المغاربة الصعداء بعد وضع اليد على فتى باب الأحد الذي أساء فهم “قف للمعلم وفه التبجيلا” فاستبدل الكلمة الأخيرة بـ”التنكيلا”.
لكن في كثير من الوقفات الاحتجاجية تظهر كائنات تسرق الأضواء وتسحب النجومية من تحت أقدام الزعماء وقادة التظاهرات، وتنال الحيز الأكبر من الاهتمام الإعلامي وقد تجعلك تنسى أسباب نزول المتظاهرين إلى الشارع العام، بسبب شخص لا فرق لديه بين تمشيط سوق عشوائي وترتيب وقفة احتجاجية.
يذكر النقابيون حكاية “مول السمطة” الذي كان بطل مظاهرات ذات فاتح ماي في الدار البيضاء، حين استل هذا الفارس النقابي القادم من بني ملال “سمطته” وشرع في تفريق المتحلقين حول نوبير الأموي بكل ما أوتي من عنف، كما يذكر الأطباء الداخليون كيف زج بفصيل مشجعي إحدى الفرق الوطنية في الصفوف الأولى وجعلوا من موشح “في بلادي ظلموني” شعار المسيرة الاحتجاجية.
لكل مسيرة فتوتها الذين تجاوز انفلاتهم كل التوقعات، منهم مقدمون وأعوان سلطة تحت التدريب ومتطوعون وسجناء سابقون وبلطجية صناع محتويات على “اليوتوب” الذين عثروا في الوقفات الاحتجاجية على ضالتهم من “الإثارة”. هؤلاء هم الباذنجانوين نسبة للباذنجان وهم فئة من “الحياحة” تجدهم في التظاهرات السياسية والنقابية والرياضية، تدين بالولاء المطلق لسيدها وتنتظر إشارة منه لممارسة عنف يسكنها، يكفي العودة إلى مسيرة “ولد زروال” الشهيرة للوقوف على حجم الباذنجانيين الذين وظفهم المخرج إلياس العماري في دور الكومبارس فأفسدوا السيناريو وعبثوا بالدبلجة.
لكن ما ذنب الباذنجان المصنف ضمن خضر البسطاء، وكيف تم الزج به في قضايا هو بعيد عنها؟
هناك حكاية متداولة في الثراث العربي تقول إن حاكما عربيا قال لخادمه يوما: نفسي تشتهي أكلة باذنجان، فقال الخادم: “بارك الله في الباذنجان، هو سيد المأكولات بلا منازع، لحم بلا شحم، وسمك بلا حسك، يؤكل مقليا ومشويا ومحشيا”. وراح الخادم يعدد فوائده، حتى اندهش الحاكم من بطولات الباذنجان كأنه سيد الخضر.
رد الحاكم بنبرة غاضبة وكشف عن تناوله سابقا لوجبة باذنجان وما سببته له من آلام، فصاح الخادم: “لعنة الله على الباذنجان إنه ثقيل عسير الهضم بشع المظهر”. لكن الحاكم استوقفه متسائلا: “كيف تمدح الشيء وتذمه في وقت واحد”؟. رد الخادم “أنا خادم الحاكم وليس خادم الباذنجان”.
لا يمكن أن ننكر دور الباذنجان في حياتنا نحن البسطاء، وكيف تحول في كثير من الأحيان إلى وجبة “زعلوك” ثمنها قليل ومفعولها كبير، وحدهم الجاحدون الذين يلعنون هذا الصنف من الخضر الذي يستحق التكريم، رغم ظهور سلالات جديدة منه كالباذنجان الأبيض أو الأبرص.
حجز هذا الصنف مكانته في الحياة وأصبح لكل زعيم سياسي أو نقابي أو رياضي فيلق من الباذنجانيين لهم استعداد فطري لفعل الشيء ونقيضه بكل احترام للرئيس وإذلال للمرؤوس. ففي كثير من الجموع العامة ومحطات تقرير المصير يظهر “حياحة” صنع صيني تنتهي في الغالب صلاحيتهم الزمنية بنهاية الجمع، هم “مرايقية” في مجتمع الكرة و”حياحة” في التجمعات النقابية والسياسية، لكنهم في جميع الأحوال يملكون عقيدة باذنجانية راسخة، لهذا ظل سعر هذا النوع من الخضر خارج تقلبات الأثمان ممنوعا من الصرف والاحتكار.
كثير من هؤلاء الباذنجانيين احترفوا التظاهر فأخذوا مواقعهم في الصفوف الأولى قرب الكاميرات، أغلبهم أصبحوا كائنات معلومة عند صحافيي الإثارة، فلطالما صرخوا مطالبين بإنهاء أزمة صناديق التقاعد وتضامنوا مع سعد لمجرد ومشوا في مسيرة الغضب التي نظمها الممرضون، ونددوا بـ”بان كي مون” يكفيهم استبدال شعار بآخر وامتلاك لياقة بدنية وحبال صوتية ومرهم مضاد لأشعة الشمس.
الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى لجهاز كشف البلطجة والبذنجلة.
