*طلحة جبريل 

هذه خواطر بدا لي من الملائم مشاركتها معكم.

أظن أن الفلاحين، وعلي الرغم من التجارب الآسيوية، خاصة تجربة ماوتسي تونغ في الصين، هم أقل شرائح المجتمع ميلاً إلى التمرد والثورة. ارتباط الفلاح بالأرض وما تجود به السماء يفوق كثيراً ارتباطه بالقوانين المجتمعية. إذ إن الفلاحين هم أكثر الفئات قدرة على التحمل والصبر، لأن مهنتهم تعتمد أصلاً على الانتظار والصبر.

انتظار المطر إذا كانوا يعتمدون عليه أو فيضان النهر إذا كان هو الذي يسقي الأرض، ثم انتظار البذرة التي ترمى في جوف الأرض لتخرج نبتة على سطحها، وانتظار نموها إلى أن تصل مرحلة القطاف. الحياة تدور من حولهم وتموج، وهم لا يعنيهم من كل ذلك سوى خصوبة الأرض وتقلبات الطقس. أظن أن الفلاحة لم تعد تستهوي كثيرين، لذلك اعترت عملية توارث المهنة ونقل أسرارها من جيل إلى آخر، الكثير من النقائص.

في زمن أتذكره جيداً، كان الأطفال يتابعون دراستهم، لكنهم عندما يتجهون نحو الحقول، يتحولون إلى “فلاحين” يساعدون الآباء في جميع الأشغال. هذه الظاهرة الآن إلى اندثار. الناس تشكو في هذه الأيام وفي جميع أنحاء العالم، من ارتفاع تكاليف المعيشة. شكوى يمكن أن تدركوا مبرراتها.

انتقل إلى موضوع آخر، في هذا الصدد أقول إن أصعب قرار يتخذه أي شخص، هو الاستقالة، وأكثر القرارات إهانة هي الإقالة. وفي كثير من الأحيان تكون الاستقالة قراراً شجاعاً، يتخذه أشخاص يضعون كرامتهم فوق كل اعتبار. الإقالة سهلة لأنها قرار يتخذه رئيس ضد أحد مرؤوسيه. لكن صعوبة الاستقالة إنها تقلب الهرم، فهي قرار من الشخص تجاه رئيسه، بغض النظر عن النتائج، وهي في الغالب نتائج تجلب ضرراً كبيراً على الشخص المستقيل.

أختم بالصحافة. ظني أن الصحافي عندما لا يجد نفسه في مؤسسة ما، عليه أن يقول “وداعاً”.

في الصحافة الغربية عندما يغادر صحافي يشغل موقعاً قيادياً داخل المؤسسة الإعلامية، يكتب في العادة خبر مغادرته، سواء كان برغبته أو برغبة الجهة المالكة للمؤسسة، والراجح أن سبب المغادرة يكون واضحاً.

أختم بحكاية طريفة كنت قرأتها قبل فترة، مفادها أن صحيفة تصدر في ولاية فلوريدا الأميركية قررت الاستغناء عن أحد محرريها البارزين لأسباب خاصة، وكانت الوقائع كالتالي:

استدعى رئيس تحرير الصحيفة المحرر المعني بالأمر وقال له: اعتاد القراء على قراءة تقاريركم خلال فترة لا يستهان بها من الزمن، وهي موضع تقدير الجميع، ولكننا قررنا الإقدام على مغامرة لا نعرف عواقبها، وذلك بإصدار الصحيفة يوم غد خالية من أي مادة لكم.

فهم الرجل.

*كاتب صحفي و أكاديمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *