يعيش المغرب اليوم على وقع مرحلة حاسمة في مسار التنمية، تتجسد في إطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، وهي مقاربة تقوم على الرؤية الشمولية، وتنسيق الجهود بين مختلف الفاعلين، وقياس الأثر الحقيقي للمشاريع على حياة المواطنين.
وفي خضم هذه الدينامية المتسارعة، يطرح سؤال محوري نفسه: هل تكفي الإرادة السياسية لوحدها لإنجاح هذه الأوراش الكبرى؟..
ويرى العديد من الخبراء والفاعلين، أن الإرادة الإصلاحية شرط أساسي، لكنها تبقى غير كافية ما لم ترفق بوجود موارد بشرية كفؤة، قادرة على تحويل البرامج والمخططات إلى واقع ملموس.
فالتنمية، مهما كانت طموحة، تظل رهينة بفاعلين يمتلكون المهارات والمعرفة وروح الإبتكار.
غير أن مسؤولية توفير هذه الكفاءات لا تقع على الإدارة العمومية فقط، بل تشمل أيضا الأحزاب السياسية باعتبارها مؤسسات دستورية تناط بها مهمة التأطير السياسي وإعداد النخب.
فالأحزاب، من موقعها، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتزكية مرشحين ومرشحات يتمتعون بالكفاءة والقدرة على التدبير الترابي، وليس فقط منطق الولاءات أو الإعتبارات الإنتخابية الضيقة.
إن تنزيل برامج التنمية الترابية المندمجة يحتاج إلى منتخبين يفهمون آليات التخطيط الإستراتيجي، ويتقنون قراءة الوثائق المالية، ويستطيعون قيادة المشاريع، ومتابعة تنفيذها، والتفاعل مع حاجيات الساكنة، في إطار حكامة تقوم على الشفافية والمساءلة.
فالمجالس المنتخبة ليست مجرد فضاءات للنقاش السياسي، بل هي مؤسسات تدبيرية لها تأثير مباشر على جودة الخدمات العمومية.
ولذلك فإن دور الأحزاب في انتقاء النخب المؤهلة يعد ركنا أساسيا في معادلة التنمية.
فكلما كانت الكفاءات أفضل، كلما ارتفع مستوى إنجاز المشاريع، وانخفضت كلفة الزمن التنموي، وزادت ثقة المواطنين في المؤسسات.
كما أن التجارب الدولية أثبتت أن إصلاح الدولة لا يتحقق فقط عبر الإستراتيجيات الوطنية، بل أيضا عبر تجديد الطبقة السياسية، وضخ دماء جديدة قادرة على مواكبة التحولات الإقتصادية والإجتماعية والتكنولوجية.
وفي المغرب، الذي انخرط في إعادة هيكلة النموذج التنموي واعتماد مقاربات جديدة في تدبير الشأن العام، يتأكد أن الرهان الأكبر لا يكمن في وفرة الوثائق والبرامج، بل في من يحمل مسؤولية تفعيلها على الأرض.
فالمشاريع تحتاج إلى مهندسين، وتقنيين، وموظفين، لكن تحتاج أيضا إلى منتخبين أكفاء يقودون التغيير من داخل المؤسسات الترابية.
إن نجاح أي ورش تنموي، بما في ذلك الجيل الجديد من البرامج الترابية، يمر عبر ثلاثية مترابطة تتمثل في إرادة إصلاحية صادقة على مستوى الدولة، وأحزاب سياسية مسؤولة تزكي كفاءات قادرة على التدبير، وموارد بشرية مؤهلة داخل الإدارة والجماعات الترابية.
عمر المصادي
