شهدت سنة 2024 ارتفاعات ملحوظة في قضايا الأسرة المعروضة على القضاء، كشف عنها تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية لسنة 2024.

وقد سجل التقرير تزايداً لافتاً في دعاوى ثبوت الزوجية، إلى جانب هيمنة نوعين محددين من إنهاء ميثاق الزوجية هما “الطلاق الاتفاقي” و”التطليق للشقاق“، مما يطرح أسئلة حول واقع الزواج والطلاق في المغرب وتطبيقات مدونة الأسرة.

تزايد مقلق في “ثبوت الزوجية”: مؤشر على استمرار الزواج غير الموثق

أفاد تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية بأن دعاوى “ثبوت الزوجية” قد شهدت ارتفاعاً قياسياً في عام 2024 مقارنة بسنة 2023، حيث سجلت هذه القضايا نمواً بنسبة 17.44 في المائة في عدد القضايا المسجلة، وارتفع عدد القضايا الرائجة بـ 29.69 في المائة والمحكومة بـ 42.69 في المائة.

ويُعدّ هذا الارتفاع المتواصل مؤشراً قوياً على استمرار وجود زيجات غير موثقة على أرض الواقع، والتي أوضح المجلس أنها غالباً ما تنتج عن عوامل متعددة مثل الجهل بالقانون، أو البعد عن المرافق الإدارية، أو ظروف قاهرة.

وتشكل هذه الظاهرة تحدياً كبيراً يتعلق بحماية حقوق الزوجة والأطفال الناتجة عن هذا الزواج، ما يستدعي تكثيف حملات التوعية بأهمية توثيق العقود لحماية الأطراف.

وقد احتلت الدائرة القضائية لـ بني ملال المرتبة الأولى وطنياً في عدد قضايا ثبوت الزوجية المسجلة لعام 2024، مما يسلط الضوء على ضرورة تركيز الجهود التوعوية في هذه المنطقة تحديداً.

انحلال ميثاق الزوجية.. هيمنة الحلول التوافقية والشقاق

كشف تحليل بيانات سنة 2024 بخصوص انحلال ميثاق الزوجية عن اتجاهات متباينة تهيمن عليها حلول محددة، ففيما يخص قضايا الطلاق، سيطر “الطلاق الاتفاقي” بشكل شبه كامل، حيث شكل أكثر من 96 في المائة من مجموع قضايا الطلاق المسجلة.

واعتبر المجلس هذا المؤشر بمثابة تطور إيجابي يعكس “نضجاً متزايداً لدى الأزواج” وتفضيلاً للحلول الودية والتوافقية لإنهاء العلاقة، وهذا يساهم في التخفيف من الآثار النفسية السلبية على الأطفال والحفاظ على مصالحهم الفضلى.

وعلى صعيد قضايا التطليق، كانت الهيمنة الساحقة لـ “التطليق للشقاق”، الذي تجاوز 97% من مجموع قضايا التطليق المسجلة، وأصبح هذا النوع هو الآلية شبه الوحيدة التي يلجأ إليها الأطراف لإنهاء العلاقة الزوجية قضائياً، مما أدى إلى تهميش شبه تام لباقي أنواع التطليق التي نصت عليها مدونة الأسرة (كالتطليق للغيبة، للضرر، للعيب، أو لعدم الإنفاق).

وقد أشار التقرير إلى واقع لافت عند مقارنة إجمالي القضايا، وهو أن عدد قضايا التطليق المسجلة يمثل تقريباً ثلاثة أضعاف عدد قضايا الطلاق، ويمكن تفسير هذا التوجه بعوامل أبرزها سهولة مسطرة التطليق للشقاق التي لا تتطلب إثباتاً معقداً للضرر، مقارنة بالتعقيدات المسطرية التي قد تصاحب بعض أنواع الطلاق الأخرى.

تؤكد إحصائيات 2024 أن القضاء الأسري يواجه تحديات مزدوجة، فمن جهة، استمرار مشكلة الزواج غير الموثق وحاجة الأفراد المستمرة لـ “ثبوت الزوجية” كآلية لتصحيح الأوضاع.

ومن جهة أخرى، هيمنة “الطلاق الاتفاقي” و”التطليق للشقاق” تعكس تغيراً في تعاطي الأزواج مع آليات إنهاء العلاقة، مع تفضيل الحلول الأقل تعقيداً على مستوى الإثبات، وهذا الواقع يستوجب مراجعة نقدية لتطبيقات مدونة الأسرة وتعزيز الجهود التوعوية لضمان حماية حقوق الأسرة.

إدريس لكبيش / Le12.ma

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *