التطورات الأخيرة في ملف الصحراء المغربية تحمل في طياتها دلائل قوية على اقتراب ساعة الحسم في هذا النزاع الذي طال أمده لأكثر من نصف قرن.
هو واقع يتجلى بوضوح في الحالة التي وجدت فيها جبهة “البوليساريو” نفسها محشورة في الزاوية، متخبطة، وعاجزة عن الخروج من مأزقها، فيما فشلت الجزائر، صانعتها التقليدية، في إيجاد مخرج لها.
فقد أحدث مشروع قرار الأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء، الذي قدمته الولايات المتحدة، هزة داخل الجبهة الانفصالية، التي سارعت، ودون طلب من أي طرف، إلى “توسيع” مقترحها القديم، الذي سبق أن قدمته عام 2007 كمبادرة مضادة للحكم الذاتي المغربي.
هذا التخبط يؤشر على ضغوط متزايدة على الجزائر، وعن قرب تحول الملف من حالة الجمود إلى مرحلة الحسم على صعيد السياسة الدولية.
ولا أدل على ذلك من تصريحات الرئيس الجزائري، المعين عبد المجيد تبون، التي تجمع بين الإقرار بالضغط الخارجي والتمسك الرمزي بالموقف الداخلي.
فهي تكشف ازدواجية الخطاب التي تحاول الجزائر من خلالها إدارة ملف تجاوزته الأحداث على الأرض، بينما يواصل المغرب تعزيز موقعه التفاوضي ومصداقية مبادرته للحكم الذاتي.
ويكتسب هذا الزخم زخما إضافيا ليس فقط من كثافة الأحداث، بل وأيضا من وضوح الاتجاهات السياسية والدبلوماسية، التي بدأ فيها العالم يترجم مواقفه عمليا، عبر الاعتراف المتزايد بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتأكيد أن الحل المستدام لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
وتتصدر الولايات المتحدة المشهد كفاعل مؤثر، إذ أعاد مستشار الرئيس السابق دونالد ترامب، مسعد بولس، التأكيد على سيادة المغرب على صحراءه.
حدث هذا، في وقت أعلن فيه، المبعوث الخاص ستيف ويتكوف عن عمل فريقه للتوصل إلى اتفاق سلام بين المغرب والجزائر خلال فترة قصيرة، لا تتجاوز 60 يوما.
هذا الإعلان ليس مجرد تصريح بروتوكولي، بل مؤشر واضح على تسارع المسار الدبلوماسي وتحول النزاع من وضع متصلب إلى حلبة دبلوماسية نشطة.
وفي السياق الدولي، تبرز أهمية لقاء وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بنظيره الروسي سيرغي لافروف.
فخلال هذا اللقاء شدد بوريطة على أن أي تقدم في حل النزاع يجب أن يتم وفق القانون الدولي، دون تأويل يسعى لإعاقة التفاوض.
وهذه المقاربة تعكس نضج الملف المغربي في أروقة الأمم المتحدة، وقدرة الرباط على بناء تحالفات دولية مرنة تحافظ على توازن القوى، وتؤكد أن الملف لم يعد رهينة التجاذبات التقليدية بين الأطراف الإقليمية.
ويشكل مشروع القرار الأميركي المقدم إلى مجلس الأمن نقطة تحول نوعية، إذ يعترف صراحة بأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الأساس الأكثر جدية وموثوقية وواقعية لحل النزاع، مع دعوة جميع الأطراف للانخراط الفوري في المفاوضات على هذا الأساس.
ونرى في جريدة le12.ma. أن هذه الخطوة لا تمثل مجرد دعم أمريكي، بل ترسم تحولا ملموسا في الدينامية الدولية المحيطة بالملف، وتؤكد على مكانة المبادرة المغربية كإطار موحد للتسوية السياسية.
اليوم، يقف ملف الصحراء المغربية عند مفترق تاريخي، حيث تتلاقى الضغوط الدولية، والمبادرات الدبلوماسية، والتحولات الإقليمية، مع استراتيجية المغرب المحكمة، المبنية على الواقعية والدينامية المتزنة.
المغرب، وبخبرته وقدرته على التحرك الاستراتيجي، يقف الآن في قلب عملية تؤسس لحل دائم مستدام، يكرس السيادة الوطنية المغربية على كامل ترابه بما فيه الاقاليم الجنوبية للمملكة.
كما يضع، بإسناد من جبهته الداخلية وشركائه في السلام على الصعيد الدولي، حداً لعقود من جمود حسم ملف مغربية الصحراء، ونقطة نهاية لهوس التسلح عند الجزائر، ويقرب المنطقة المغاربية من الاستقرار السياسي والدبلوماسي، بما يخدم مصالح شعوبها .
*عادل الشاوي
