هوة تجعل الرأي العام محقاً في طرح السؤال العريض: هل نحن أمام عائلة معوزة حقاً، أم أمام رواية أخرى محبوكة بعناية لإبقاء هذا الشيخ “الخَرفان” في صورة المعدم “الحزقان” في الذاكرة الشعبية، لكلّ غاية مفيدة.

* جواد مكرم / Le12.ma

تقول الحكاية، في المغرب، يوجد سياسي “مهضار”، كان إلى وقت قريب يجالس الكبار، لكن انتهى به المطاف والطواف إلى شخص عدمان، أي فقير معدم، وبالمغربي الفصيح يطلق عليه لقب “حزقان”!.
 
في المقابل، ينام ابن السياسي “الحزقان”، على وسادة “فيرمة”، تُنبت الغلل من فواكه وخضر وتُسمّن “الخرفان”.
 
ومن عجائب الصدف أن “الإخوان”، منذ عهد الرئيس المقبور محمد مرسي وجرائم إخوانه في حق مصر وشعب مصر، أصبحوا يُلقّبون باسم “الخرفان”…
 
وفي تفاصيل حكاية “واقعة المغرب”، تحمل قضية “خرفان إبن كيران”، التي شغلت الرأي العام مؤخراً، أكثر من علامة استفهام حول طبيعة العلاقة بين الخطاب السياسي، الذي يتبناه الإخوان، من الزعيم إلى المريدين..

حتى أن نجله المرضي عنه خرج ببيان مطوّل يوضح فيه أن الأرض الفلاحية التي ورد ذكرها في الأخبار ليست لوالده، وإنما هي مِلكٌ مشترك بينه (نجل إبن كيران) وبين والدته (زوجة إبن كيران)، اقتنياها من مالهما الخاص، وأن كل الأنشطة التي تُمارَس فيها لا تتجاوز نطاق الفلاحةالعائلية المعيشية البسيطة!!! .

لقد نفى الابن، أي تدخل لوالده في الملكية أو في التدبير، واعتبر حديث الأخبار عن “قطيع” و”إخفاء الأغنام” مجرد تلفيق وتدليس!!!.

هذا الخطاب التوضيحي للابن حول “الخرفان”، الذي شكّل صدمة قوية لبعضٍ ممن لديهم بقية ضمير ضمن “الإخوان”، يكشف عن تناقض صارخ وسافر يدحض
صورة “الغلبان”، التي ظل السياسي “الحزقان” والده يرسمها لنفسه ولأسرته بمناسبة وبغير مناسبة…

حتى أنه صرّح، غير ما مرة، أمام الرأي العام، أنه خرج من السلطة “مُعدماً” و”غلبانًا”، ليس لديه إلا ما يُصلح به “الصالون والكوزينة وبيت النعاس”…

كما ادّعى أن بيته، يُستقبل فيه ضيوف من المغرب وخارجه بشكل متواتر، ليزعم أن هذه التكاليف، التي يفترض أنها تعوّض بالكامل باعتبارها من اختصاص ميزانية حزب “اللامبة”، تُرهق أسرته مادياً وتجعلها عاجزةً عن تغطية المصاريف…

شكوى قوبلت بكرم مغربي من أعلى المستوى، مكّنه من شهرية سمينة بالملايين، ومن سيارة مصفّحة ومعزّزة بخدمات الحراسة…

لقد تحطّمت حاليا هذه الصورة تماما، والأسرة المعدمة المسكينة انكشفت حقيقتها وأسرار ملكيتها لضيعة مثمرة تدرّ عليها ما طاب من “الماكلة والشراب والفلوس”…

فما أن أَسقط الخبرُ غشاوةَ البصر والنظر، حتى تبيّن أن زوجة وابن زعيم الإخوان، وفق ما صرّح به مول الخرفان، فاضت عليهما مدخراتهما فوجّهاها نحو الاستثمار في الزرع والضرع وتربية الأغنام، بينما السياسي المسكين يُقدَّم نفسه أمام الرأي العام، كشيخ معوز لا يملك ما يسد به حاجته!!!.

وهنا تُطرح أسئلة لافتة ليس لحقيقتها كاذبة: ألم يكن أولى بالزوجة أن تسند بالعدال والتنمية زوجها الغلبان، وأولى بالابن أن يحيط أباه بمزيد من عطايا البرّ والإحسان، بعد أن بلغ بالوالد من العمر عتياً، ويوجّها مدخراتهما لتغطية حاجياته عوض الانشغال بالاستثمار الفلاحي؟.
 
وإذا كان الأب يعيش في عوز فعلي، فهل يُعقل أن يُسمح له بأن “ياكل لعصا” إعلامياً وسياسياً، بينما أقرب الناس إليه يملكون القدرة على توجيه أموالهم لمشاريع خاصة؟.
 
وما هي عائدات هذا الاستثمار “العائلي”، وهل يتم التصريح بها لإدارة الضرائب؟، وهل تخضع للمراقبة القانونية كأي نشاط فلاحي آخر؟.

وهل يجري تمتيع العاملات والعاملين بحقوقهم وكرامتهم وإحاطتهم بالحماية الاجتماعية مصداقا للعدالة والتنميىة؟.
 
ولماذا لم يكن الابن أكثر شفافية بما صدر عنه من تبيين وبيان، فيعلن للرأي العام مساحة تلك الأرض الفلاحية، التي يملكان، وطبيعة ملكيتها (خاصة، أو أرض جموع، أو من أراضي الدولة)؟.

وما ثمن اقتنائها؟، وهل تم شراؤها نقداً أم عن طريق قرض؟، وهل كان الشراء لما كان الشيخ المعوز في السلطة؟ أم بعد المغادرة؟.

وهل كان الشراء قبل بدء الوالد في التوصل بالمعاش الشهري السمين؟ أو قبل تذوّق عطايا الخرفان وحلاوة الزرقالافات بالعدّ والحسبان؟ .

هيا، تفضلا بالإجابة، ولا أظنكما ستكذّبان!!!.

والأدهى من كل هذا وذاك، أن تناقض إدعاء الحاجة والعوز ، والإدخار والاستثمار، لا يقتصر فقط على مسألة “الأرض” و “الخرفان”.

لا بل، إنه يضرب في عمق الخطاب الأخلاقي والسياسي، الذي ظل السياسي “الحزقان”، يرفعه بكل تلك العبارات الشعاراتية والجمل الغليظة عن”الزهد” و”النزاهة” و”الشفافية” و”المصداقية”!.

حقيقة، تجعل الرأي العام يطرح سؤال: “هل من التربية الإسلامية، التي طالما استشهد بها بنكيران وكافة الإخوان، أن يخرج الأب على الناس بوجه “المحتاج”، بينما الابن ينعم بنعيم الأرض وما يزرعون ثم يخفي الاستثمارات الخاصة للأسرة بغطاء “الفلاحة المعيشية” كما لو أنه يبعث برسائل مشفرة “لدار الضريبة”، ليقول لها إنهم لا يغنمون ولا يربحون!!!.
 
إن قضية “خرفان بنكيران” لم تعد مجرد سِجال إعلامي بين خبر صحفي وتوضيح عائلي، بل تحولت إلى مرآة تكشف حجم الهوة، من جهة، بين الخطاب والشعارات لدى الإخوان ، ومن جهة أخرى بين الممارسة الملموسة في الواقع الملموس في الميدان، وتسلّط أضواء كاشفة على الاختلالات التي تخترق النخبة الإسلاموية في ممارسة العمل السياسي…

هوة تجعل الرأي العام محقاً في طرح السؤال العريض: هل نحن أمام عائلة معوزة حقاً، أم أمام رواية أخرى محبوكة بعناية لإبقاء هذا الشيخ “الخَرفان” في صورة المعدم “الحزقان” في الذاكرة الشعبية، لكلّ غاية مفيدة.

ولعل جوهر تلك الغاية الاستغلالوية، استقطاب التعاطف والشفقة، ثم استقطاب الأصوات، فالاستيلاء على الضمائر والذمم، والمحصلة، حصد منافع وفوائد شتى يعلمها عبد الاله بنكيران زعيم الإخوان.

حينها سيستمر ابن الغلبان و والدته المصون في التنعم بـ”فريمة” تسمين الخرفان، بينما ستكون قواعد واسعة من الشعب، حال عودة السلطة إلى ابن كيران، بين “حازق” و”حزقان”.. وهذا ما لا نتمناه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *