بهذه الخطوة، يعيد الوزير التهراوي تعريف دور وزارته: ليس فقط في التتبع والمراقبة، بل في فرض هيبة الدولة داخل قطاع الأدوية، حيث تختلط المصالح المالية بالمسؤوليات الأخلاقية، وحيث لا مجال للتهاون.
لا أحد كان يتصور أن فوضى الأدوية في المغرب ستستمر إلى هذا الحد، في زمن الرقمنة والحوكمة والمراقبة الرقمية.
لكن ما ظل مستتراً طوال سنوات هو أن الدواء، الذي يفترض أن يكون رمزاً للحياة، تحوّل، في بعض حلقات التوزيع والتداول، إلى سلعة فوضوية تُباع خارج القانون وتُتداول عبر مسالك موازية، بعضها لا يختلف عن التهريب إلا باللباس الأبيض الذي يغطيه.
فكان لابدّ أن يأتي يومٌ يضع فيه أحدهم حداً لهذا العبث الذي يتخفّى في معطف أبيض. إذ لا يمكن السماح أو قبول أن تتحوّل الأدوية، في بعض المسالك، إلى بضاعة تُهرّب وتُباع كما تُباع السجائر المهرّبة أو الوقود في السوق السوداء، تحت أعين من يعرفون ومن يصمتون، وفي ظلّ غياب رادع حقيقي يذكّر بأنّ صحة المغاربة ليست مجالاً للمضاربة.
اليوم، بقرار الوزير أمين التهراوي، تتحرك الدولة لاستعادة سيادتها على قطاع لم يعد يحتمل مزيداً من التسيب.
فالدورية الوزارية رقم 105 تشكّل إعلانا صريحا عن نهاية زمن “دواء السوق السوداء”، واستعادة الدولة لسلطتها التنظيمية على مسار يبدأ من المصنع وينتهي عند المريض، مروراً بكل حلقة في سلسلة الصيدلة والتوزيع…
اليوم، قرّر الوزير أمين التهراوي أن يكسر هذا الصمت، ويُعيد للدولة هيبتها داخل واحد من أكثر القطاعات حساسية: قطاع الدواء.
الدورية رقم 105 لم تصدر لتُضاف إلى رفّ القوانين المنسية، بل جاءت لتعلن نهاية الفوضى المقنّعة بالشرعية، وتقول بلغة القانون الصارم: انتهى زمن التساهل، وبدأ زمن المحاسبة: فمن يبيع خارج المسلك القانوني، أو يوزّع دون ترخيص، أو يتاجر بمنتجات لم تُسجّل بعد لدى الوكالة المغربية للأدوية، لا يمارس “نشاطاً تجارياً” كما قد يظن، بل يرتكب جريمة في حقّ الأمن الصحي للمغاربة.
ومن يفتح صيدلية بلا ترخيص، أو يحتفظ برخصة فقدت صلاحيتها، عليه أن يفهم أنّ الوزارة لم تعد تُهادن، وأنّ النيابة العامة ستكون هذه المرّة في الميدان لا في الهامش.
لقد أرسل الوزير رسالة مزدوجة: إلى المهنيين بأن القانون فوق الجميع، وإلى المواطنين بأن صحة المغاربة ليست للبيع. وما دامت النيابة العامة على الخط، فإنّ “تزيار” المساطر هذه المرّة لن يكون مجرّد حبر إداري، بل سوط قانوني سيطال كل من يحاول الالتفاف على المسلك الشرعي للدواء.
إن استناد الوزارة إلى دورية النيابة العامة لسنة 2021 يعيد وصل ما انقطع بين المسار الإداري والمسار القضائي، ويجعل من كل مخالفة محتملة جريمة منظمة ضد الصحة العامة.
وهي إشارة حاسمة إلى أن زمن الإفلات من العقاب في هذا القطاع قد ولّى، وأن الدواء لن يكون بعد اليوم مجالاً للمضاربة أو للمتاجرة في آلام المغاربة.
بهذه الخطوة، يعيد الوزير التهراوي تعريف دور وزارته: ليس فقط في التتبع والمراقبة، بل في فرض هيبة الدولة داخل قطاع الأدوية، حيث تختلط المصالح المالية بالمسؤوليات الأخلاقية، وحيث لا مجال للتهاون.
لقد آن الأوان لأن يفهم الجميع أن حماية الدواء هي حماية للحياة، وأن “تزيار” المساطر ليس تضييقاً على الصيادلة الشرفاء، بل تطهيرٌ للقطاع من الطفيليات التي أساءت إليه.
ولعلها المرة الأولى منذ سنوات، نرى فيها قراراً وزارياً يتحول إلى رسالة سياسية صلبة: الدولة موجودة، ولن تتهاون بعد اليوم في حماية صحة مواطنيها من كل فوضى… حتى لو كانت ترتدي وزرة بيضاء!!!.
*أحمد عبد ربه
